تقنين الديات ضرورة لا بد منها

أحمد بني قيس
@ahmedbanigais

إن مما لا يجب إنكاره حقيقة أن الدية أصبح حالها في مجتمعنا كالمزاد، بل وأصبحت مصدر دخل لسماسرة «الدم» الذين يشهد واقعهم بأن آخر ما يعنيهم نصرة القاتل وإنقاذه من القصاص، بالإضافة إلى أن الكثير من ذوي القتلى أصبح يسيل لعابهم لجني أكبر مبلغ يمكنهم الحصول عليه دون اكتراث فعلي بأن يكون القصاص مصير من سلب أرواح بنيهم.

لذا فإن تقنين الدية أصبح مطلبا ضروريا جدا، حيث يجب أن يوضع سقف للدية يمنع تجاوزه؛ حتى يتم قطع الطريق أمام كل من يقتات على مصائب الآخرين، كما يجب على كل من يسعى في هذا الشأن من شيوخ وغيرهم التحري عن ملابسات الجريمة والطريقة التي تمت بها قبل التدخل؛ حتى يكونوا على يقين بأن القاتل تنطبق عليه الشروط الأخلاقية والسلوكية التي تجعله يستحق تدخلهم.

فالله -سبحانه وتعالى- لم يأمر بالقصاص عبثا، تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا، وإنما كجزاء يلقاه كل من تسول له نفسه القيام بقتل أي شخص، وأيضا كرادع يعمل على الحد من تلاعب البشر واستهانتهم بارتكاب هكذا جريمة؛ حتى يسهموا في خلق مجتمع مسالم ومتجانس ينعم بالأمن والأمان.

وهذه الإشارة لا تعني إطلاقا بأن ذوي القتيل لا يحق لهم القبول بالدية، فالدية منصوص عليها كتابا وسنة، وأيضا هذه الإشارة لا تعني بأن العفو والصفح أمر يجب تجنبه، بل على العكس، فالعفو يظهر مدى حكمة صاحبه وتسامحه ومراعاته لحال ذوي القاتل، ويدل أيضا على قوة إيمانه وطلبه الأجر من الله على عفوه رغم جلل ما أصابه.

ولكن ما يعكّر صفو هذا الأمر أن تصبح الدية وحجمها هدفا في حد ذاته، وهو ما سيترتب عليه -إذا أصبح هذا الحال حقيقة- إفساح المجال لانتشار هذه الظاهرة، وبالتالي انتشار ممارسة جريمة القتل، خصوصا إذا تيقن القاتل بأن هنالك من سيسعى بشتى السبل لإخراجه سالما دون أن يلحقه أي عقاب.

إن أهم أمر يجب أن يترسخ في الذهن الجمعي أن القانون يعلو ولا يعلى عليه مهما سيق من مبررات تشرعن مخالفته، وهذا ما يجعل تقنين الدية أمرا بالغ الأهمية، وذلك لحمايتها من التلاعب بها ولعدم المبالغة في قيمتها؛ حتى لا تصبح غاية للتربح، بدلا من أن تكون وسيلة للعفو يرجو بها فاعلها الأجر والثواب من الله.

أخيرا، على الجميع أن يعلم بأن كل من يرتكب جريمة عليه أن يدفع ثمنها -كبرت هذه الجريمة أم صغرت- دون منح صاحبها مخارج آمنة تحميه من العقاب، إلا بما شرع الله، وبما سنه ولي الأمر، فعدم قيامنا بذلك كفيل بأن يجعلنا في حال يفقدنا جميل ما ننعم به من أمن وسكينة ووئام.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟