أحمد ضياء.. الشخصية “الومضة”

الشخصية المتميزة لا تتكرر في شخصيات أخرى في نفس المجال، لذلك صاحبها يأخذ الوهج ويُحدث الصدى!

لذلك يمكن تسميتها بـ الشخصية (الومضة). فهناك أسماء يرد ذكرها عند الحديث في أي مجال، ورغم تعدد المختصين إلا إن اسمًا واحد يأخذ جانب الرمزية لتفرده بصفات إضافية.

وهناك شخصيات كانت حريصة على التقاط الموهبة، بنظرة الحصيف، وتبنيها وصقلها والدفع بها لتكون امتدادًا لجيل الإبداع. رحمة الله عليهم!

ومن الشخصيات المدينية (الومضة) لتفرد صاحبها بالتميز والاتقان في تخصصه، إضافة لكاريزما خاصة ونمط سلوكي مختلف (الأستاذ أحمد ضياء).

الخطاط أحمد ضياء الدين إبراهيم (أحمد ضياء) والذي رحل عنا قبل أيام (11 يونيو 2022)كان -رحمه الله- أحد هذه الومضات الشخصية، لتفرده بالعديد من الميزات التي طرزت شخصيته، زيادة على تميزه في تخصصه، الأمر الذي ظهر جليًا على كل من يعرفه تأثرًا وحزنًا وحسرة على فراق القيم.

ولد أحمد ضياء في المدينة 1931م ونشأ ودرس فيها، وابتعث إلى القاهرة عام 1948 للدراسة الجامعية بالأزهر، واستغل فرصة تواجده في القاهرة فالتحق بمدرسة تحسين الخطوط /تخصص الخط والزخرفة في الفترة1953-1955 فأفاد من بعض أساتذة الخط كـ سيد إبراهيم وغيره من كبار الخطاطين. وعاد للمدينة 1956 وعمل بمدرسة طيبة الثانوية، وتتلمذ على الأستاذ حامد الآمدي من خلال زياراته المتكررة لإسطنبول.

لم يكن حريصًا على الشهادات والإجازات بقدر حرصه على تعلم الخط وأسراره، فقد طلب منهحامد الآمدي أن يكتب قطعه ليمنحه إجازة فلم تتيسر له الظروف لانشغاله بما يراه أهم من الإجازات!

استفاد من كبار الخطاطين كـ (مصطفى حليم وأحمد كامل وغيرهما)، ونظير خبرته ومعرفته بأسرار الخط العربي فقد تم اختياره لسنوات عديد رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة الخط العربي.

ومن أشهر تلاميذه عبد العزيز مصطفى – عبد الله السناري-بشار عالوه- عبد العزيز الرشيدي

خير من يتحدث عنه، من تربى في بيته لقرابة الثلاثين عامًا، ينهل من معرفته وعلمه في الخط وأسراره، وفي مجالات التربية المختلفة.

لذلك سأسرد كلام الخطاط عبد العزيز عواد الرشيدي وهو يتحدث عن (ضياء): (علاقتي بالأستاذ أحمد علاقة الابن بأبيه، ثلاثون عامًا تقريبًا وهو يتعامل معي تعامل الأب، تلقيت منه علم الخط كما يتعلم الخطاط من شيخه، تربيت في منزله وكأني في أهم مكان للخط العربي على الكرة الأرضية، وهذا البيت يعتبر مدرسة في التربية والعلم والأخلاق، وهو بيت أشبه بمتحف نرى فيه أصول الخطوط لعمالقة الخط المعروفين مثل حامد الآمدي وحليم وأحمد كامل وسامي أفندي…)

يقول: (أحمد ضياء لم يبخل علينا حتى بورقة واحدة إن توفرت لديه ينسخها ويوزعها على كل الخطاطين، في زمن لم يكن الحصول فيه على الكتابات الخطية بسهولة مثل اليوم، فقد كان من الصعوبة بمكان الحصول على الكتابات الخطية وكان يوفرها لنا)

ومن أبرز صفاته -رحمه الله-كان متواضعًا كريمًا، لا يقابل الناس بوجهين، معطاءً … يسأل عن أي شخص يزوره حتى لو لمره واحدة، يساعد الفقراء، مربيًا، بشوش غير غاضب أبدًا، لا يجرح خواطر تلاميذه بكلمات سيئة، حين تزوره تشعر أنك أعظم رجل بحياته، وصولاً للخطاطين في محافلهم وأفراحهم وأحزانهم، الناس عنده سواسيه، يغضب حينما يراك غاضبا، ويفرح حينما يراك فرحًا).

وعن أهم المواقف التي لن ينساها عبد العزيز الرشيدي يقول🙁كان هناك كتاب شهير اسمه “فنالخط العربي” وكان سعره 1000 ريال وهذا السعر كان غاليًا جدًا في ذلك الوقت قبل ما يزيد عن 25 سنة، وأنا كنت حينها في المرحلة الثانوية أو بداية الجامعية، فلا يستطيع طالب أن يشتري هذا الكتاب وقتها، ولحرصي على الكتاب وللأريحية التي أجدها في بيت أحمد ضياء أفصحت عن رغبتي في الكتاب ولم أقصد أي شيء يوحي له أن يشتريه لي، لكن من باب الحديث فقط، وبعد فترة اتصل علىّ وطلب مني الحضور لمنزله وذهبت إليه وكان الوقت الواحدة ظهرًا، وأتفاجأ بـ (كرتون) مغلف وطلب مني أن أفتحه فوجدت بداخله كتاب فن الخط العربي، فكان من أعظم أيام حياتي في الحصول على الكتاب (الحلم) وأيضًا ما ضاعف سعادتي أن الأستاذ أحمد كان شاعرًا بشوقي لهذا الكتاب فحقق لي هذا الحلم رغم صعوبة الحصول عليه إلى يومنا هذا!

كان يدرس كل أنواع الخطوط المعروفة، الكوفي والإجازة والنسخ والفارسي وغيرها، والمدارسة لم تكن بالكتابة اليدوية بل المدارسة بالكلام، يحضر اللوحة ويقوم بشرحها بالكلام في مجلسه.

يستطرد عبد العزيز … الحديث ثقيل! وما حديثي معك بهذه الكلمات إلا ليزيح بعض هذا الثقل عني..

ابتكرت خط من 34 نوع، خط 3بنط وأحد هذه الأنواع النوع 20 أسميته باسم الأستاذ أحمد ضياء، ونويت بإذن الله أن كل حرف يكتب بهذا النوع من قبل أي شخص على وجه الأرض يعود أجره بحول الله إلى الأستاذ أحمد ضياء..)

استرحت في هذا المقال من انتقاء واختيار العبارات! فقد كانت الكلمات التي زودني بها عبد العزيز الرشيدي تشعرني بالصدق العاطفي الصادر من نفس راقية وشعور نبيل، فحبذت أن أنقلها كما هي، فما يخرج من القلب يقع في القلب.

أشكر (الأستاذ نايف فلاح الجهني) فهو من دلني عليه، وزادني شوقًا للوقوف على هذا الأنموذج من الشخصيات التي قد لا تتكرر نتيجة أسرار خاصة يهبها الله تعالى لبعض خلقه.

قفلة..  (لها “دواةٌ”، “يراعٌ”،” مديةٌ”، “قصبٌ”   تعالجُ القلبَ إنْ أعياهُ إحباطُ

               كأَنْ تخبّئ في الأقلامِ ..  فتنتَها     وأَنْ يذوبَ بطعم الحِبرِخطّاطُ) *سارة الزين

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟