«انتبه يودونك وراء الشمس»

قراءة : رئيس التحرير

قرأت حوار ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مرات ومرات، وتوقفت أمام محاوره حتى أستقرىء المغزى من وراء كل كلمة ينطق بها هذا القائد الفذ.

مفردات وقضايا كان الإعلام السعودي يخشى حتى النطق بها أو السؤال عنها كان سمو ولي العهد هو من يشجع الصحفي على طرحها، بل وتحدث بها بكل الشفافية والصراحة والجرأة وإزالة اللبس وكشف الحقائق -مثار الجدل-، ومع إعجابي بالمكاشفة والإجابات التي قدّمها ولي العهد بشفافية للعالم كان إعجابي بالأسئلة الحوارية التي أبدعت “أتلانتيك” في طرحها، والتي ابتعدت بحق عن المُتكرر والمعتاد الأمر الذي أثرى الحوار وجعله حوارًا تاريخيًّا بكل ما تحمله الكلمة من دلالة.
الحوار تربّع في مرتبة الأجرأ والأقوى -تاريخياً- وذلك لملفاته المثيرة ومحاوره الجديدة التي كان يتمنى السعوديون بشكل خاص والعرب بشكل عام أن يكشفها ولي العهد.

من رؤية 2030 والرهان على تحقيقها وصوت التحدّي القوى لمن يُفكر -ولو لحظة واحدة- في تعطيلها ووضع العثرات أمام طريقها ومسارها، إلى المشاريع النوعية غير المُستنسخة والتي تحمل توقيعًا سعوديًّا 100% في فكرتها وتصميمها وإنجازها، إلى التطرف وصُنّاعه من الإخوان المسلمين ممن يعملون -خِفية- لإحراق ربيع الأرض، إلى ثوابت المملكة الراسخة والأصيلة التي لا تتغير والتي يناضل ولي العهد على ترسيخها وتأصيلها.
ومع كل ذلك يأتي حرص سموه على نسف المذهبية والمعتقدات البالية والتفرقة المريضة بين السنّة والشيعة على أرض المملكة أرض التعايش والتسامح.

ملفات كنا نتوق لسماع صوت ولي العهد وهو يُعيد ترتيبها في أذهان الشعب ويقدّمها ربما -لأول مرة- ليُعزز لعصر الرؤية، عصر المكاشفة والوضوح والإنجاز.
“ليس لدينا مفهوم دماء ملكيّة ونحن جزء من الشعب”. عبارة تُفسّر كيف تكون العلاقة بين الأسرة المالكة والشعب والتي فسّرها الكثيرون لأزمان طويلة تفسيرًا خاطئًا أو استغلها بعض أفراد الأسرة نفسها، فأي فرد من الأسرة المالكة إذا تخطى حدًّا فسيُعاقب، أما نظام الحكم وكل خطوة فيه لها أطر ونظم وقواعد وأحكام نافذة لايملك أحد المساس بها.
قضايا يحق لنا وصفها بـ”النوعيّة” فلم نسمع من قبل عن حاكم عربي قدّمها بهذه الشفافية والوضوح لشعبه، وجرأة عظيمة من قائد عظيم، وهو يعترف بأن أحكام هيئة البيعة لها نفاذ لا يحق لأحد تبديلها ولا تغييرها فلا يستطيع مثلاً تعيين شقيقه وليّاً للعهد من بعده وفقاً لهيئة البيعة.

لم يترك صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في حواره التاريخي شيئًا إلا وتحدث عنه، عالج قضايا الخلاف، وقطع حتى التكهنات مثال أن إيران دولة جارة، وسيبقون جيراننا إلى الأبد وأننا ساعون لإنهاء الخلاف.
وانعطف سموه للموسيقى -القضية التي عاشت لسنوات في قبو الاختفاء- مؤكدا أن الموسيقى أمر ذو خلاف في الإسلام وليست أمرًا متفّقًا عليه مع عِلم القادة الدينيين بذلك، وإذا كان متفّقًا عليها عند المسلمين، فلدينا أمور في تعاليم الرسول تقول: إن الضرورات تبيح المحظورات.

الحوار الجامع المانع رسخ لفضيلة الوفاء وحفظ العهد وحمل شرف الأمانة العظيمة، وولي العهد يؤكد “أن خمسة آلاف فرد من آل سعود وأعضاء البيعة اختاروني لصون ورعاية الملكيّة وأن أي تغيير يمثل خيانة للقبائل والمراكز والهجر”.
ما أعظمه قائدًا، له ظهوره الإعلامي المدروس، يتحدث بقوة وعمق ومنهجيّة، لا تُرهبه الملفات الصعبة، ولا يهاب المتربصين لرؤيته من داخل الوطن وخارجه.

ما أعظمه قائدًا وهو يحمل شعبه لمرتبة الشريك -فكرًا وعملًا وإنجازًا- ويضع كل القضايا على طاولته ليعرف الشعب كيف يدار الحُكم، وماهي قواعده وثوابته، يعرف الرهانات الصعبة التي يناضل ولي العهد من أجلها، يعرف الطموحات التي بدأت لتعيش بلا نهايات.
ماذا ‏لو تكرر ظهور سموه لنا في حوارات أخرى بنفس المكاشفة والصراحة.. لحظتها سيتحول المعارض لاشك إلى مؤيد، والمُتربص لمعاون وحليف، يومها سيعرف الشعب كله من هو محمد بن سلمان الشاب المُبهر والقائد العبقري الفذ.

ختاماً

في هذا الحوار عرفنا جوانب شخصية عن سمو الأمير وذائقته الراقية وهو يقول أنه يحب الاستماع للأغاني القديمة، من المؤكد ان سموه يقصد مثل أغاني محمد عبده وطلال مداح وأم كلثوم وعبدالحليم وفيروز.
في هذا الحوار مفردات كنا نخشى حتى ذكرها، وكان البعض يقول لنا تخويفاً: “الجدران لها آذان” و “انتبه يودونك وراء الشمس”.
الحمدالله على هذا الوطن وقيادته ورجاله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟