هل أنا مجنون أم أمشي مع مجنون؟

 
 لماذا زكّاني نائب سلطان بن سلمان وفضّلني سالوبيك عن غيري

“فارس” صديق رحلتي حملني على ظهره وخذلني مرات

راعي الجِمال “المليونير” أضحكني لأحلامه وصدمني بنصائحه

الجرأة والشغف الصحفي حفزاني لمواصلة أغلى تجاربي المهنيّة

الحلقة الثانية.. علي الحربي

( عندما تُشارك في رحلة طويلة وشاقة مع صحفي حصل على جائزة البوليتزر مرتين، وأمضى حياته بعيداً عن وطنه يمشي بين الدول ويفتخر بالقول عن نفسه أنه “راوي قصص”.. وكنت تعتقد في البداية أنك “مجنون” حينما قررت المشاركة، أو تمشي مع “مجنون” يمشي لأيام ولساعات من أجل الحصول على قصة يكتبها، وتعتلي ظهر جمل أكثر جنونا وتمشي مع “راعي” يحلم بأن ينتقل في سنوات قليلة لمليونير، فأعلم أنك في رحلة “استثنائية” غريبة في تفاصيلها، مثيرة في أحداثها ولكنها جميلة في رسالتها) 

هل أنا أمشي مع مجنون؟! ولماذا أتّبع رجلا يمشي في الصحراء لساعات تحت ظل الشمس الحارقة من أجل الخروج بقصّة يكتبها في مجلة ناشيونال جيوغرافيك؟!
لماذا أترك مكتبي بأجواء مكيفاته الباردة ورفاهية أثاثه وأقطع “وادي الصفراء” بسمومه وحرارته المعروفة في شهر سبتمبر -أشد الشهور حرارة- وعلى ظهر جمل؟
أسئلة كانت تراودني خلال رحلتي مع الرحالة بول سالوبيك خاصة عندما يصيبني التعب والإرهاق من المشي تارة وركوب الجمل تارة أخرى، ولكني كنت أعود لأُسكت صوت اسئلتي العالي وأهدئ من توتري بالقول بأنها “رحلة جديدة في حياتي لن تتكرر”.

حكاية أبو الحسن

من مدينة لمدينة على ظهر الجمل وعلى مدى أسبوعين أقطع المسافات التي تتخطى أربعين كيلو مترا على مدى أثنى عشر ساعة والأسئلة لا تزال هي الأسئلة.. ما صلتي أنا بهذا المشوار الشاق؟ وأين عقلي وأنا أتخذ قرار الإقدام على رحلة من هذا النوع؟ ومع كل الأسئلة التي كانت تقفز لرأسي كنت أسأل نفسي لماذا اختارني الدكتور حسين أبو الحسن -نائب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان للآثار والمتاحف حينما كان رئيساً لهيئة السياحة آنذاك أي عام 2013 دون غيري لأقوم بمرافقة بول سالوبيك في رحلته؟

لماذا أنا؟

هل ورطني -وهو الصديق العزيز الذي شرفت بمعرفته منذ 1416 تقريباً حينما كان مديراً لأول إدارة للآثار- هل ورطني حينما هاتفني بالقول: (علي.. فيه رحالة أمريكي من ناشيونال جيوغرافيك يلف العالم يمشي على رجليه ويحتاج مّرافق بعد أن توقف عن المشي معه الشريف محمد بنونه اللي كان يمشي معه -لأسباب صحية- وأعرف انك مجنون شوي وتحب الأمور الغريبة.. وش رأيك؟ ما تبي ترافقه؟)

الشغف الصحفي

سعادتي كانت لا توصف بالطرح وشغفي كصحفي بخوض الرحلة رغم ان مجلة ناشيونال جيوغرافيك صدمتني بعد؟ مقبول نشري في صحيفة عكاظ وقتها، لكنهم سمحوا لي بكتابة مستقبلاً أو بكتابة كتاب.

اختيار سالوبيك؟

أسماء عدة رُشحت لمرافقة بول سالوبيك الذي كان حريصا على اختيار رفيق مشواره بعناية ودقة متناهية إلإ أن عملي الصحفي واتفاق أفكارنا -نسبيا- جعلته حريصا على اختياري دون غيري وتفضيله لي رغم تزكيّة كثير من الجهات لأشخاص غيري.
تمت الموافقة من كلينا وبقى اختبار “المشي” الصعب والسؤال الأصعب: هل أستطيع المشي مع بول سالوبيك لمسافات تتجاوز الثلاثين أو الأربعين كيلو مترا -كما قيل لي- وأنا لا أتذكر أن مشيت كيلو متراً واحد، ولكني كنت أطمن نفسي بجمال التجربة وأنا أرافق رحالة شهير بأنها ستكون من أجمل الرحلات بتاريخي المهني.
تعمدت أن أكون واضحاً وشفافاً معه وأبلغته، فردّ عليّ أن أمشي ما استطيع أن أمشيه وأن أركب الجمل في حال تعبت.

أول مأزق

التفت لي سالوبيك ونحن في السيارة متوجهين إلى نقطة الانطلاق وقال: علي في حال شعرت بحرارة في قدميك توقف فوراً وأعلمني، وقتها -ونحن لم نبدأ بعد- كان أول مأزق أشعر به؛ فماذا سيقول عني لو قلت له وقتها أنني فعلاً أشعر بحرارة شديدة في أقدامي من لبس الحذاء وأنا ما زلت في السيارة! إذن كيف سأمشي مسافة طويلة وأنا لدي هذا الشعور.

اختبار المشي

بدأنا المشي التجريبي والاختبار وكنت كلما تعبت من المشي طلبت التوقف وركوب الجمل لمسافة حتى أرتاح قليلاً ومن ثم النزول وإكمال المشي وهكذا..
الحقيقة أنني لو كنت مكان Paul ووضعي معه وقتها لكنت طلبت التوقف وعدم إكمال الاختبار وتقييمي بعلامة “صفر” في المشي لكن لا أعلم لماذا كان الرجل حليماً وهادئاً معي لهذه الدرجة التي جعلته يوافق فور رجوعنا وقطعنا 15 كيلو تقريباً من مقر الانطلاق..
أدهشني سالوبيك حينما قال: علي.. سنبدأ سوياً الرحلة الاسبوع القادم .
انتظروني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟