
سالوبيك.. رحلة الـ 30 مليون خطوة
من مراسل حرب إلى راوي قصص الإنسان
يعشق الصحافة البطيئة ويرى المشي كالخبز
يمشي ليجمع المعرفة بطريقة أبطأ وبوتيرة أكثر إنسانية
انتج أكثر من مليون كلمة نصية على موقع ناشيونال جيوغرافيك
قصص حكايات البشر حفزته كي يستمر في رحلته
الجائحة والحدود السياسية عطلت إنهاء رحلته في الوقت المقرر
سعدت برفقاء المشي من رعاة البقر وعلماء الأحافير والطلاب
الحلقة الأولى – علي الحربي
قد لا تستوعب عقولنا، أو لسنا مُهيئين في هذا الزمن المُتسارع بشكل جنوني أن نستوعب أن رجلا يجوب العالم ويسير حوالي 30 مليون خطوة خلال رحلة يحكي القصص ويسرد الروايات بإسلوبه الشيق ويصور الفيديوهات ويلتقط صوت المكان كل 100 ميل يقطعها، ويغرد بمرح (رغم إنها رحلة علمية).
قد نستغرب ذلك لأن جيلنا اعتاد على هذا التسارع وبالتالي سيتقبله ويتقبل كل ما من شأنه الحصول على المعلومة بأسرع وقت، لكن سالوبيك أراد عكس ذلك وهو مؤمن أن أفضل طريقة للحصول على المعلومة هو الوصول إليها، وهو يَعد بأنه لا يفعلها من أجل شيء آخر غير السبيل إلى التأمل في حال ما آل إليه البشر.
هذا هو بول سالوبيك.. يهدف إلى جمع المعرفة بطريقة أبطأ، وبوتيرة أكثر إنسانية وهو المعدّل الذي صممت فيه أدمغة العصر الحجري التي مازلنا نحملها (أي بسرعة 5 كم / ساعة) من خلال إبطاء عملية إعداد التقارير الخاصة به، مؤملاً أن يكون عمله مشبعًا برؤى أكثر ثراء وأعمق في المناظر الطبيعية وحياة الأشخاص الذين يلتقيهم، يسمع من الناس القصص ويربطها بما قرأه من قصص حصلت في ذات المكان قديماً.
هذا الأمر يجعلنا نتساءل.. ماذا يُريد رجل يتتبع خطى أسلافنا القدماء ويمشي في مساراتهم القديمة ويروي قصص من هم يقطنون تلك الطرق والمسارات ويستمتع بالحديث معهم وما هي رؤيتهم للمكان قبل مئات السنين ليحكي لنا ماذا تغير؟!
ماذا قال سالوبيك ؟
يقول Paul: المشي يٌخبز في عنصر الوقت، يربط قصة بأخرى بطريقة بدائية. يشجعك على التفكير قبل الكتابة. أسميها “الصحافة البطيئة”. وحينما سُئل سالوبيك عما يجعله يستمر في مشروعه قال: الذي يجعلني أستمر تلك القصص التي أواجهها. إنها لا تنتهي أبدًا ولا يوجد اثنان متشابهان. كل واحد يطرح سؤالا جديدا.
كيف كانت بدايته
حينما بدأ سالوبيك مشروعه البحثي الصحفي مع مجلة ناشيونال جيوغرافيك بالتعاون مع جامعة هارفرد وجائزة البوليتزر كان عمره 52 سنة، وكان من المفترض أن تنتهي الرحلة 2020 في تشيلي وقتها سيكون عمره 59 عاماً، لكن مع ظروف عدة أبرزها الجائحة وإغلاق العالم، بالإضافة إلى ما يراه أسوأ تغير بين الماضي والحاضر هو الحدود السياسية التي لم يكن أسلافنا يعرفوها بل كان أقسى ما يواجهونه من عقبات هي الصحاري والمحيطات والقمم الجليدية، فكان نتاجها هو عدم الحصول على تأشيرة دخول لبعض الدول وتأخر حصوله عليها في البعض الآخر مما جعله يكمل تاريخ ميلاده التاسع والخمسون يمشي!.
من أثيوبيا لأطراف أمريكا
تمتد رحلة الصحفي التي تزيد عن 38000 كيلومتر عبر 36 دولة من إثيوبيا إلى الأرجنتين، مروراً بغرب آسيا وطريق الحرير والهند والصين وسيبيريا والساحل الغربي لأمريكا الشمالية والجنوبية قبل أن تنتهي في تييرا ديل فويغو عند طرف جنوب أمريكا.
الحفريّة المُحفزة
يقول سالوبيك ” عثر علماء الأنثروبولوجيا القديمة على حفرية قديمة جدًا للإنسان من العصر الأول، والتي قد يصل عمرها إلى 160 ألف عام”. لذا “سأقفز على متن قارب عبر مضيق بيرينغ ثم أتجول في العالم الجديد إلى تييرا ديل فويغو، المكان الذي وصل إليه أسلافنا منذ حوالي 12000 عام، آخر ركن قاري في العالم استعمره أسلافنا.” وأضاف :أن الطريق الذي يسلكه هو أحد الطرق الممكنة التي هجرها البشر في أفريقيا ليستقروا في أنحاء العالم. وهو يأمل في رحلته من الاتصال بالعالم من خلال القصص التي سيكتشفها ويعيشها في طريقه مع السكان المحليين. وأضاف: “هؤلاء هم السكان غير المرئيين الذين نادرًا ما يتم تغطيتهم”. يريد أن يروي قصصهم ويكتشف خبايا عالمهم.
رعاة البقر
يعتمد سالوبيك على السير مع الناس في أوطانهم ليشارك قصصه مع قراءه وليتعلم أكثر، فقد مر عليه شركاء مشي محليين كما يسميهم من رعاة الإبل الأثيوبيين وعلماء الأحافير الأمريكية وضباط الجيش المتقاعدون ومصورو الطبيعة وطلاب المدارس والكتّاب المذهلين.
كل متر
يقولPaul: المشي يجعلني أقف على كل متر مربع من الأرض في منزلي: لا أشعر بالوحدة في أي قرية أو طريق أو قارة.
أنا وزميلتي آمنة الشيخ
يملك سالوبيك معاني غزيرة ومرادفات لبعض الكلمات والوصف والعناوين العميقة التي يجب أن يقرأها متخصص في اللغة ليوصلها لنا بأقرب معنى قصده Paul، كما أن رحلته أنتجت أكثر من مليون كلمة نصية على موقع ناشينوال جيوغرافيك، غير المعالم التي يسجلهاكل 100 ميل (١٦٠كلم) والخرائط السردية ومعارض للصور ومقاطع الفيديو والرسائل الأسبوعية والنصف شهرية التي يكتبها. لذلك استعنت بزميلتي آمنه الشيخ المتخصصة في الترجمة في كل حلقة لترجمة تلك العبارات والجمل بشكل دقيق.