نقطة الدين

بقلم: عبد الحق بشير العقبي

الدين فكر يخاطب العقول ويحاور  الألباب ويشحذ التدبر فليس على المجنون ولا على الصغير حرج. الدين علاقة الخالق بالمخلوق. الخالق يحيط بالمخلوق علماً والمخلوقين لا يحيطون به علماً لذلك أنصفهم فلم يطلب منهم إلا (التصديق) والتصديق بما أمر به الخالق المخلوق عن طريق الأنبياء والرسل الذين يبينون الرابط الذي يبدأ من تعريف الخالق وأنه واحد أحد ليس له ند ولا شريك فهذا هو الرشا والحبل المتين فكرياً وهو العقيدة المبنية على التصديق بما جاء به المرسلين وهو الجزء الأصعب في مهمة الرسل لأنهم ينتزعون من فكر وفهم المخلوق عقيدة مادية سهلة الفهم بسيطة الروابط متينة العلاقة لأنهم يشاهدون ويلمسون ويتواصلون مع آلهتهم التي بين أيديهم وإليها ينسبون الأفعال والأقدار وبذلك تترسخ لديهم عقيدة مادية نسجتها عقولهم وقيدتها مفاهيمها  وثبتتها الممارسة والتوارث جيلاً بعد جيل في مقابل رسالة الحق الإيمانية التي تخاطب ذوي العقول والألباب والأفهام لأنهم مفتاح الوصول والقادرين على التمييز  بين الحق والباطل كما فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريي عيسى عليه السلام وسحرة موسى عليه السلام عندما شاهدوا الحقيقة بأعينهم فلا مجال للإنكار . مهمة الأنبياء والرسل سهلة ممتنعة فهم يواجهون العقيدة التي  تؤدي إلى القطيعة والخصومة والقتال ويواجهون سلطة مطلقة يحملها المدافعون عنها الذين أسهموا في نسج أساطيرها ورسم معالمها وتمثيل أشكال ألهمتها بما يحقق أهدافهم ويبسط سيطرتهم بقوة المادة التي لا تضاهيها قوة إلا أن تهزمها قوة الفكر والفهم والتدبر والحكمة وهذه الأدوات بعيدة المنال صعبة المراس من أجل ذلك لا يكفي أن يبلغ الرسول رسالته الكلامية ولا الكتابية  مع أن الله عز وجل قادر على هداية الناس هداية مطلقة  ولكن الناس في العموم يحتاجون إلى دليل مادي ملموس يبين للناس أن الخالق الواحد الأحد المستحق للعبادة هو الذي خلق الطبائع وأعجز المادة بمعجزات لا يقدر عليها إلا الإله جل جلاله. فكانت المعجزات المصاحبة للرسل سبيلاً من سبل الرشاد والهداية التي كان من شأنها بلوغ المرام بفتح العقول المغلقة وإطلاق القيود إلى فضاء الإيمان والتصديق والعقيدة الصحيحة. وفي هذه المنظومة تساءل سيدنا إبراهيم عليه السلام متأدباً: (رب أرني كيف تحيى الموتى)؟ ولأن مقتضى علم الله عز وجل أن هذا السؤال منطلق الإيمان فكيف يسأله إبراهيم عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل ولكنه السؤال الأبدي الدائم الذي يطلب جوابه كل إنسان فكانت هذه الوسيلة نموذجاً تطبيقياً يخاطب العقول والأفهام ويؤصل لمبدأ الحجة والبرهان. ولم تكن العبادات إلا وسيلة من وسائل التصديق والطاعة مع أن كثيراً بل أكثر المؤمنين لا يقيمونها عذراً مباحاً مثل الصوم والزكاة والحج فلم يبقى إلا الصلاة وهذه أيضاً فيها التيسير بالجمع والقصر والأداء قياماً وقعوداً وعلى الجنب ومع هذه العبادات والمطالب الميسرة يأتي قصير الفهم والإدراك مفلساً يوم القيامة.

 

 

17/06/1441هـ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟