يا مدوّر المكاسب.. راس مالك لا يضيع!

مثل شعبي من جملة الأمثال التي نسمعها تشنف آذننا بشكل دائم رغم ما تحمله بعضها من كسر مجاديف الأمل والتطلع للأفضل، وبعضها الآخر على العكس تمامًا فيها من المصداقية والواقعية الشيء الكثير.
ولست هنا للحديث عن الأمثال من المضرب إلى المورد، ولكن يحسن أن يكون مدخلاً لواقع سوق التمور ومنتجات الصيف الأولى في منطقة تحتضن أكثر من ثلاثة ملايين نخلة.
من يقف على سوق التمور (الحراج) ويسمع ما يردده (الدلال) وما يدفعه التاجر من قيمة زهيدة لمنتج فخم، ثم ينتظر ساعة ويسمع ما يردده التاجر (المشتري) لقيمة نفس المنتج الفخم، ثم ينتظر ساعة ويكلف نفسه عناء الانتقال بسيارته بأي شارع مجاور لمزرعة ويقف عند من يصف صناديق الرطب التي جلبها غالبًا من نفس السوق ويسأل عن السعر، فسيصاب بالدهشة والمفارقة العجيبة لأغرب منتج زراعي محلي من حيث تضاعف السعر من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة عدة أضعاف!
ومن المعلوم إن بواكير الرطب (الصيف) تكون من المحافظات والقرى المجاورة للمدينة المنورة، أي إن جلب (الصيف) (وهو كناية عن منتج الصيف الزراعي الأول عند أهله أي الرطب) يحتاج إلى تكاليف نقل إضافة للتكاليف الأخرى المعروفة بداية من غرس النخلة والاهتمام بها وحمايتها من الآفات حتى تكون مؤهلة للإنتاج فتزيد تكاليف رعايتها بمبالغ قد تكون مرهقة للمزارع البسيط، وعند وقت الحصاد وتوقع المردود المادي الذي قد يعوض ما أنفقه عليها وينتظر مكسبًا مباحًا حلالاً، يتفاجأ بأنه أقل الكاسبين عبر منتجه الفخم المبارك، إن لم يكن أكبر الخاسرين!
وقد شاركه في الغنيمة كل من (الجمّال) الذي يقوم بنقل المنتجات، و(الدلال) الذي يحرّج عليه، وعامل التحميل والتنزيل، والتاجر الذي يشتريه بثمن بخس ليستفيد ويكسب تلك المرابح المتضاعفة مرات ومرات!
وكل هؤلاء وهم يشاركون المز ارع في منتجه المبارك، يعتبر مكسبهم مضمونًا بنسب متفاوتة، ولكن أقلّهم للأسف هو المزارع صاحب (المنتج المبارك)!
من يستطيع أن يجد حلاً للمزارع كي يحصل على ربح معقول، فقد أخبرني أحد المزارعين إنه نقل الرطب للسوق مع أحد ممن امتهن مهنة نقل التمور من المزارع خارج المدينة المنورة وكانت صدمته أن هذا الناقل اعتذر منه وقاسمه نصيبه من قيمة النقل على ألا ينقل له مرة أخرى، فقد تم بيع منتجاته بـ 3 ريالات للصندوق، تشمل أجرة النقل والتحميل والتنزيل والدلال فلم يبقى للمزارع إلا الشقاء والعناء والحسرة.
للأسف.. لا دور يُذكر للجمعيات الزراعية ولا للتعاونيات ولا لجمعيات أصدقاء النخلة أو مشرفي الأسواق أو…
لابد من إيجاد حلول لسد هذه الفجوة في السوق، وإلا إن لم يكن المزارع رابحاً فسيأتي يوم ويترجّل عن مهمته التي أحبها وأنتج خلالها. خاصة حين يسمع مثل المحبطين (يا مدوّر المكاسب راس مالك لا يضيع)

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟