
كسروا هيبة الكتاب!
في السابق حين كان القراء الحقيقيون يشق على أحدهم الحصول على الكتاب لأسباب مختلفة ومتعددة منها الحالة الاقتصادية ومنها ما يتعلق بالطباعة والنسخ والنشر، وهذه أسباب لن أتطرق لها هنا، بل سأذكر فقط إنه في السابق كانت (جولة) القراء وفي الحاضر أصبحت (جولة) المؤلفين!
المؤلفون في وقتنا الحاضر يفوق عددهم القراء بأضعاف فلكية، وحتى المؤلف اليوم لا يُعدُّ من القراء الحقيقيين فقد اكتفى بقراءة عدد من الكتب فيما يستهويه من المجالات فعزم وقرر -دون أن ترتعش يده لهيبة القلم وقدسية الكلمة- وبدأ في تأليف (كتاب) وفسح له المجال في معارض الكتاب لتوقيعه، وبُجل وأُشير إليه بالبنان وتصدر مشهد قومه وعدّ من المثقفين، كل هذا جاء بعد أن تلقفته دور الطباعة والنشر (التجارية) واستحلبت جيبه وسوقت له بوسائل التسويق التي لا تخفى عليكم.
تفتش الكتاب دون أن تجد أي إضافة معرفية أو علمية أو أدبية أو فكرية، ورق مصفوف وكلمات أنهكها الإعياء من خلال الربط غير المنطقي والمنافي للفطرة التي فُطر التركيب الكلامي عليها.
التأليف حق متاح للجميع ولكن متى يعرف ذاك المؤلف إن ما يقدم عليه أمر جلل وهيبة لا تستباح إلا لمن ملك المهر الحقيقي لاستباحتها.
ربما يأتي يوم ونكون في المركز الأول من حيث عدد المؤلفات في العالم ولكن من يضمن لنا مركزًا متقدمًا بين القراء أو بين جودة المنتج.
في زمن مضى كنا نشاهد من خلال الأفلام العربية القديمة (البيانو) عنصرًا أساسيًا في المنزل يتصدر المشهد وكأنه يوحي بأن أصحاب هذا البيت من الطبقة العليا، كانت موضة واستعراض فقط وربما لا يعرف أهل البيت آلية تشغيل البيانو!
اليوم يتكرر المشهد بوجود المكتبة وعرضها في مجالس البيوت ومعظم أهلها لا يعرفون حتى التوجه الفكري لأي كتاب وأي مؤلف!
بعضهم يتعنى لحضور معرض الكتاب ويأتي محملاً بمجموعة كتب يكون عهده بها أيامًا معدودات، ثم مآلها الكل يعرفه.
ومن الناس من لديهم كم هائل من المعرفة والثقافة والفكر لكنه يدرك ما لا يدركه غير ه -ممن اجترأوا على هيبة الكتاب -فيزهد عن التأليف خشية تلكم الهيبة وهذا هو العارف الحقيقي لمعنى وقيمة وهيبة الكتاب.
رسالة إلى الجامعات:
اجعلوا الكتاب ضمن مشاريع التخرج للطلاب، بحيث تعكف مجموعة من الطلاب وخلال سنوات الدراسة الجامعية بإصدار كتاب بقيمة علمية وأدبية وفكرية وبمنهج يعتد به بإشراف ومتابعة من الهيئة الأكاديمية في الجامعة.
سنخرج بعد أربع سنوات بكتاب وبعده في كل سنة كتاب مُحكّم ومُمنهج يكون رافدًا ثقافيًا معرفيًا جديرًا بالاقتناء ويثري المكتبة إثراءً حقيقيًا في العلم والمعرفة والفكر.
“إما أن تكتب شيئًا يستحق القراءة، أو أن تفعل شيئًا يستحق الكتابة”
بنجامين فرانكلين