الحوت والملح

قصة يحكيها الغميري صديق بحر ينبع

سارة الشريف

من ثماني وأربعين عاما أو ما يزيد وليس له أصدقاء يؤانسونه رحلة الكسب إلا الحوت والملح، حتى دبت بينهما عِشرة تُقارب شبهاً “العيش والملح” الذي اتخذه الأكثريّة مثلا لصداقة السنوات.

العم سليمان الغميري لم يُعجزه العُمر عن مزاولة مهنته القديمة والوحيدة والتي لا يعرف سواها -وفقا لوصفه- بدأها صيادا في بحر ينبع يصطاد “الحوت” ومن ثم يقوم بشرحه نصفين ووضع الملح داخله وغسله بماء البحر وأخيرا وضعه في الهواء والانتظار لسبعة أيام حتى يجف كليّا لتكون هي بضاعته التي يقتاد منها الرزق.

علاقة وثيقة تربط الحوت الناشف بالغميري -وفقا لوصفه- فالحوت صنعته الأولى وصديقه القديم ومصدر رزقه الحصري، لم يكن لديه وظيفة حكوميّة ولا خاصة، دوامه يبدأ -فجرا- مع البحر وينتهي معه أيضا.

ورغم مرور الثماني والأربعين عاما إلا إنه لايزال متمسكا حتى اليوم بذكريات البحر رغم قلة السمك وندرة الصيادين وغلاء السعر حتى أنه افتتح متجرا صغيرا في سوق ينبع التاريخي ليُكمل داخله مشوار العشق مع صديقه، ويقاوم اندثار أغلى المهن في عينيه.

في حكايات الغميري يحتل “الحوت والملح” أعلى القائمة لأنهما أخذا منه كل أيام العُمر، منحاه الرزق والذكريات فكيف له أن ينساهما اليوم.

من داخل متجره الصغير بسوق ينبع التاريخي كانت قصته التي رواها لحديث المدينة شاكيا من الأيام التي ندر فيه الصياد وبات خروج الحوت من البحر خجولا كما أصبح السعر عاليا لا يستطيعه الأكثريّة ومع شكواه كانت “المفاجأة” في استمراره وإصراره على إكماله المشوار وعدم بحثه عن عمل بديل وصديق جديد.
العشرة هي الجواب الذي قدّمه سليمان الغميري صديق الحوت الناشف وقتما سألناه لماذا تستمر ولماذا تتمسك بالماضي رغم قلة رزقه؟

“الحوت والملح ” لم يصنعا رزق الغميري بل صنعا كل العُمر وكل الحياة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟