شكرًا دارة الملك عبد العزيز 

بقلم : د. عصام الشريف

المستشار بمكتب سمو أمير منطقة المدينة المنورة

عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة

 تشهد المدينة المنورة نهضةً تنمويةً وتطويريةً شاملةً في كل الجوانب، حتى باتت كتابًا مفتوحًا يترجم تطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي جعل الحرمين من أكبر همومه. ثم أصبح هذا الأمر الهاجسَ الأكبرَ لصاحب السمو الملكي نجله البار الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة؛ لتكون المدينة المنورة، بما لها من فضلٍ دينيٍ وتاريخيٍ، كما يحب الله -سبحانه وتعالى-، وكما يحب رسول الله، ﷺ، وكما يحب خادم الحرمين الشريفين. فللمدينة في قلبه، رعاه الله، المقام الأسمى والمكان الأعلى.

والمتأمل اليوم لخطى نجله سمو الأمير فيصل بن سلمان، الذي تتابعت إنجازاتُهُ فيها، حتى لمسها كل من سكنها أو زارها، يدرك بوضوحٍ أنّ منهجه فيها هو العملُ بصمتٍ، وتركُ الأعمال تتحدث هي عن نفسها، فهو، حفظه الله، آثر أن يكون دومًا منفذًا لتوجيهات خادم الحرمين، مُقتفيًا لآثار من سبقه من ملوك هذه المملكة السنية، وأمراء المدينة المنورة النبوية، والذين كان دأبهم دائمًا السير على منهج الخلفاء الراشدين؛ ففي المدينة المنورة ومن مسجدها الشريف: كان رسول الله، ﷺ، يقود الأمة، ومفاتيح خزائن الدنيا بين يديه، ثم جاء من بعده الخلفاء الراشدون أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. رضوان الله عليهم.

هذا التاريخ العظيم لهذه المدينة يجعل كل من كان على رأس الأمر بها يستشعر أهميتها ومكانتها، وكان هو الدافع الحقيقي للأمير فيصل بن سلمان للعمل فيها بلا هوادة، لتسريع عجلة التطوير والتنمية في كل المناحي، وما نراه اليوم من استعادة الهوية التاريخية للمدينة المنورة مهاجر رسول الله، ﷺ، شاهدٌ على ذلك.

فهذه مشاريعُ الأنسنة الواسعة للأحياء التاريخية، التي نُفِّذت بفكرٍ رائد، وفي ظل المتاح، فاعتمدت خطةُ التأهيل  على المحافظة على ما هو قائم دون إزالته، مع بقاء الساكن في مكانه، وتعزيز القيم الإسلامية والحضارية والاجتماعية، الموازية للهوية العمرانية، في نفوس سكان الأحياء وزائريها، وكذلك تأهيل أودية المدينة المنورة التاريخية، وعلى رأسها وادي العقيق محبوب رسول الله، ﷺ، ومنزل الأنبياء ومتنزه الخلفاء، ومهوى الشعراء، الذي باركه الله -سبحانه وتعالى- من سبع سنوات على لسان حبريل، عليه السلام، في قوله لرسول الله: (صل في هذا الوادي المبارك)، حتى أصبح في أجمل صورة وأبهى حلة.

كلُّ ذلك كان منبعُهُ الاهتمام بالإنسان، وترجمةَ فعليةَ لوعدٍ أطلقه سموه قبل سنوات، عندما قال: “الإنسان قبل المكان”، وبهذا العمل الدؤوب، والتخطيط الجاد، وجدنا راحةَ الإنسان في عدد من المشاريع النوعية، كالمشاريع الدينية، والصحية، والبيئية، والزراعية، والعلمية، والإنسانية، والتاريخية، والثقافية، والتراثية.

كل تلك المشاريع التى ارتقت بالإنسان لم يكن من هموم أمير طيبة الإنسان الفيصل بن سلمان أن يُكال له المديح بسببها، ولا كان يسعى أن يتتابع الثناء عليه من أجلها، وإنما كان همه الأكبر أن يرى ولي الأمر والمواطن كل ذلك واقعًا ملموسًا؛ لتنتفع به البلاد والعباد.

إن منهج العمل، والجد، والبذل لخدمة الوطن والمواطن، والتعامل معه برقي ورحمة، هو المعيار الأساس الذي سلكه سموُّهُ، ويأمر به ويدعو إليه؛ ترسيخًا لمفهوم احترام الإنسان .

وكل ذلك يسير سموه فيه بمنهج العمل الصامت من غير ضجيج وأضواء، فتجده سعيدًا فرحًا متهللًا بسرور المواطن بأي إنجاز لعمل أو مشروع، وفي الوقت نفسه تجده لا يحبُّ ولا يرتضي كيلَ المديح له ويمقته عند المبالغة في ذلك، مرددًا دومًا أن الأعمال هي التي تتحدث، وأن المنجزات هي التي تعبر عن نفسها، ولسانُ حاله = لا يجمُل ولا يحسُن عمل المسؤول إلا بإنجازاته ومشاريعه، وبالخلق الرفيع، والتواضع، والرحمة، حتى تلهج الألسن بالدعاء له، والقلوب بحبه.

ولعل مما يستحق الذكر والإشادة من تلك المنجزات العلمية والتاريخية إضافةً إلى ما تقدم، ما نراه اليوم في شوارع المدينة المنورة من تلك اللوحات المميزة الجميلة بخطها المدني الرائع!

ولئن كان هذا الخط محل تجاذب وأخذ ورد بين المتخصصين؛ إلا أنه وجد من سموه اهتمامًا وعنايةً فائقةً، خاصة في ظل الاكتشافات اليومية للنقوش الحجرية القديمة، والتي تجعل لهذا الخط مرتكزًا تاريخيًا.

ولعل فيما قاله الإمام ابن النديم، المتوفى سنة 384 هـ، رغم تفرده، ما يمكن الارتكاز عليه في ذلك، وذلك في قوله في كتابه الفهرست: “قال محمد بن اسحاق: فأول الخطوط العربية، الخط المكي، وبعده المدني، ثم البصري، ثم الكوفي”.

ومما يناسب هذا المقام، ويتحتّم علينا قوله، أن دارة الملك عبدالعزيز، هذا الصرح الشامخ لتدوين التاريخ وحفظه في وطننا، كان له دورًا بارزًا في خدمة هذا الإرث التاريخي (الخط المدني)، والذي هو أحد فروع الخط العربي القديم؛ فنجد الدارة والقائمين عليها، بقيادة أمينها معالي الدكتور فهد السماري، من أوائل المبادرين للعناية بهذا الخط.

فعندما توافرت لدى الدارة المصادر والمعلومات اللازمة، أطلقت (مبادرة إحياء الخط المدني) عن قناعة تامة، وبلا مجازفة، وعُقدت ندوةٌ علميةٌ في المدينة، وأيّد الباحثون أهمية المبادرة وضرورة إبرازها.

ونتيجةً لذلك تحرك عدد من المؤسسات العلمية خارج المملكة؛ لإبراز النسخ الخطية المبكرة للمصحف الذي كتب في القرن الأول بالخط المدني، حتى أصبح اليوم من الحقائق المسلّمة أنّ الخط المدني هو أصل الخط العربي، وكانت المدينة المنورة نقطة انطلاقه، ثم تطوّرت الخطوط اللاحقة والمعروفة، كما يؤكد ذلك الكشوفات المتتابعة لآلاف النقوش الحجرية التي تؤكد وجوده وقِدَمِه.

وقد عقدت الدارة في سياق هذا الاهتمام دورةً تدريبيةً عن (الخط المدني)، بالتعاون مع هيئة تطوير المدينة المنورة؛ كما نشرت عبر حسابها في تويتر مبادرةً تحت عنوان: (إحياء الخط المدني).

تأتي كل تلك الجهود تفعيلًا لمبادرة سمو أمير المدينة في الاهتمام بالخط المدني، وقد أشارت وكالةُ الأنباء السعودية (واس) إلى ذلك، في خبرٍ لها عن هذا الشأن، جاء فيه:

(أطلق صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز – أمير منطقة المدينة المنورة، ورئيس هيئة تطوير المدينة المنورة – المبادرة للاهتمام بالخط المدني؛ وذلك أثناء افتتاح سموه الكريم لمعرض مخطوطات المدينة المنورة الذي أطلقته دارةُ الملك عبدالعزيز عام 1436هـ).

ومما يُذكر فيُشكر؛ احتضان المدينة – بتوجيهٍ من أميرها المثقف المبادر الأمير فيصل بن سلمان – أول ورشة علمية تعنى برصد النقوش الحجرية، في هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، وبمتابعةٍ من رئيسها التنفيذي المهندس فهد البليهشي، وتكلّلت هذه الورشة بنجاحٍ فريدٍ مميزٍ.

وكلمةُ حقٍ أخيرة :- إنّ لدارة الملك عبدالعزيز، لسان الوطن التاريخي الناطق، جهود مباركة ومتتابعة، تسير وفق خطط وبرامج علمية مميزة في كافة أرجاء الوطن.

وكان للمدينة المنورة، بل منطقتها، حظًا وافرًا من ذلك الاهتمام في كافة الجوانب التاريخية، والحضارية، والجغرافية، والعمرانية؛ فهي دومًا حاضرة بتميزها المعتاد.

وجميع أهل المدينة المنورة، أميرًا، ونائبًا، ومسؤولًا، وكل من فيها؛ من عالمٍ، وأكاديميٍ، ومؤرخٍ، وأديبٍ، ومثقفٍ، ومطلعٍ، وباحثٍ، يلمسون ويدركون عنايتَهم الفائقة بتاريخ المدينة وتراثها العلمي والحضاري.

فلهم من الدعاء أصدقُه، ومن الشكر أبلغُه، ومن الثناء أوفاه.

هذا؛ والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله في البدء والختم.

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟