رحمك الله .. يا أبا عبدالله

الأستاذ محمد السعد المنصور المعروف بالأستاذ محيميد غادر دنيانا الفانية يوم الثلاثاء الماضي وقد عاش حياته كلها بهذه المدينة المباركة وحظي بمواراة جسده في بقيع الغرقد بها رحمه الله رحمة واسعة وهو من رجالات التعليم في المدينة المباركة قضى حياته مدرساً ومديراً ثم موجهاً لمدارس التعليم الليلي.

عرفته يرحمه الله صديقاً صدوقاً نقي السيرة والسريرة لايعرففحش القول ولايسئ لأحد..عرفته يوم أن بدأت أول خطوة في مجال التربية والتعليم حيث عينت بالمدرسة المحمدية ووجدته مديراً لها في سنة 1383هـ ومنذ الأيام الأولى التي شرفت فيها بمعرفته وإدارته تعلمت منه الكثير من دماثة الأخلاق وحسن التعامل ومقابلة أحداث الحياة والعمل وكان يعلمنا أبجديات التعامل مع طلابنا وأولياء الأمور وبحكم وجود المدرسة في وسط المدينة في حوش منصور في ذلك الوقت تعلمنا منه نحن المعلمين كيفية التعامل مع مختلف فئات المجتمع ومختلف جنسيات زوار المدينة الذين يتجولون في أنحاء البلدة الطيبة للاستطلاع على كل معالمها ومنها المدارس.

كان صديقي أبو عبدالله يتقد حيوية ونشاطاً ويمتاز بثقافة مميزة وأسلوب محبب في التعامل.. ويقرب لكل موقف مثلاً أدبياً أو بيتاً من الشعر أو حكمة مناسبة..وهو من الأصدقاء الأصفياء لأستاذنا المرحوم الأديب والمربي القدير الأستاذ عبدالعزيز الربيع يرحمه الله مدير التعليم الأسبق في منطقة المدينة المنورة وقد كان الربيع يجل الأستاذ محيميد ويحرص على حضوره في جلساته الأدبية كما يحرص على اصطحابه في سفراته الاستطلاعية التربوية في مختلف المناطق التعليمية التابعة للمدينة المنورة…ومن خلال حرص الأستاذ الربيع على اصطحاب مديرنا الأستاذ محيميد كان كثيراً مايأتيإلى المدرسة المحمدية ليلاً أو نهاراً زائراً للمدرسة النهارية أو الليلية ومستطلعاً على مسارها ومن ثم اصطحاب صديقه أبوعبدالله إلى أي جهة أو جلسة أدبية أو سفرة قريبة أو بعيدة.

ومن محاسن الصدف أن يدخل الأستاذ عبدالعزيز الربيع مدير التعليم في أحد زياراته للمدرسة في الفترة المسائية التي كنا نعمل بها مدرسين… يدخل إلى الفصل الأقرب للإدارة وكنت معلماً له في حصة من حصص القرآن الكريم وكنت أسأل الدارسين عن إعراب بعض الكلمات أثناء التلاوة فدخل يرحمه الله وجلس في نهاية الفصل مستمعاً وكأنه أعجب بطريقة تلاوتي وإدخال اللغة العربية في درس القرآن وجلس حصة كاملة ثم قام في نهاية الحصة وأشاد بالطريقة التي أدرس بها ومدحني عند مدير المدرسة الأستاذ محيميد ثم استدعاني إلى الإدارة ودعاني للانضمام إلى أسرة الوادي المبارك التي كان يستضيفها في بيته كل أسبوع وهي أسرة أدبية ثقافية تضم العديد من الشعراء والأدباء والمثقفين التي كانت نواة لتأسيس النادي الأدبي بالمدينة المنورة.

وتمر السنوات وينقل الأستاذ محيميد مفتشاً للمدارس بالمنطقة وكانت تسمى مدارس الثقافة الشعبية ويطلق على القسم قسم الثقافة الشعبية ويستهويني يرحمه الله لما بيني وبينه من زمالة وصداقة وحب وإعجاب وتقدير إلى الانتقال إلى نفس القسم وتعزز هذا لصداقتنا وحب الربيع لنا وحرصه على أن نكون سوياً في عمل واحد.. وقد استفدنا كثيراً من أدب وتعامل وسلوكيات ذلك الرجل الذي اعتبرناه بل واعتبره كل ذلك الجيل في المدينة المربي الأول والأديب البارع والمثقف اللامع الذي صار قدوة في إخلاصه وحرصةوسلوكه وتعامله مع مرؤسية وكل فئات مجتمع المدينة.

أعود بعد هذا إلى الأستاذ محيميد يرحمه الله حيث عملت معه سنوات عدة وبعد ذلك عدت لمجتمع المدارس ومنذ بدايات عملي معه في المدرسة المحمدية كانت صداقتنا كبيرة تعليم وتواضع ودبلوماسية وقدرة على استيعاب المواقف وبقيت علاقتنا وصداقتنا وثيقة ومتنامية.

ومما أذكره من تواضعه وبساطة الحياة في تلك الأيام أنني اشتريت دراجة هوائية (البسكليت) جديدة وكانت وسائل المواصلات قليلة ومن النادر أن يملك أمثالنا نحن المدرسين سيارات فكنت أوصل الأستاذ محيميد على (البسكليت) إلى بيته في طريق المطار وأعود إلى مسكني في طريق قباء وكنت أفرح لأنني أوصل المدير على هذا (البسكليت) وأتميز على زملائي بأن مدير المدرسة يركب معي وأوصله يومياً إلى بيته.. إنه الزمن الجميل والصفاء والنقاء والطيبة والأريحية.

والأستاذ محيميد من خريجي مدرسة العلوم الشرعية سنة 1366هـ وفي سنة 1370هـ تعين مدرساً بالمدرسة الناصرية وفي سنة 1379ه صار مديراً للمدرسة المحمدية ثم انتقل في سنة 1386ه إلى إدارة التعليم مفتشاً لمدارس الثقافة الشعبية المدارس الليلية وبقي في هذا العمل حتى تمت إحالته على التقاعد.

رحمك الله (ياأبوعبدالله) رحمة الأبرار وأسكنك فسيح جناته وأجزل لك الأجر والمثوبة على ماقدمت من جزيل الأعمال نصحاً وتوجيهاً وتربية لطلابك ومحبيك في هذه المدينة العظيمة التي عشت بها حياتك كلها وحظيت بالوفاة بها ووجدت طريقك إلى بقيع غرقدها المبارك بحمد الله وتوفيقه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟