الأمانة والزراعة.. والخاسر الأول!

منطقة المدينة المنورة منطقة زراعية بامتياز، وأشهر ما يزرع فيها منذ القدم النخيل، وقد جاء في وصف محل المدينة قديمًا (يثرب) واحة بين حرتين. وكثير من ضواحي المدينة زراعية، اشتغل أهلها بالزراعة لأسباب منها خصوبة الأرض، وكثرة العيون وقرب تناول المياه من خلال الآبار ذات المياه السطحية، ولكون المنطقة داخلية ومركز هام في الطرق وهي نقطة التقاء الرحلات التجارية وغيرها وكونها مؤول الناس، كان للتجارة فيها نصيب كبير، فاجتمعت منطقيًا التجارة والزراعة.

فإذا كانت التجارة تضبطها (الأمانة) فكذلك الزراعة!

ما يمارسه بعض ملاك المزارع – بقصد أو دون قصد- من اطلاق يد العمالة في التصرف بالأرض الزراعية، دون الخوض في الدوافع، (والتي لا تخفى) هي ممارسات غاية في الخطورة، وإخلال بمبدأ وقيمة (الأمانة).

إن الإسراف في استخدام الأسمدة الكيميائية له خطورته الكبرى ليس على مستوى جودة المحصول، وإن كان يعطيه شكلاً جذابًا ولكن دون قيمة حقيقة، بل تتعدى خطورة (السخاء الكيميائي) إلى إحراق التربة، والقضاء على صالحيتها الزراعية خلال فترة بسيطة. ناهيك عن الخطورة الكبرى على صحة الإنسان.

فمتى يفيق المزارع من غفلته هذه؟ وعليه أن يدرك أن المستهلك أصبح مدركًا لخطر المنتجات المشبعة بتلك السموم القاتلة.

ومن الناحية التجارية، والسوق وما يجري في السوق من (سلوكيات الدلالين) والتي باتت واضحة لكل من يحضر الحراج، أو من يستثمر في تجارة التمور (مثلاً) فيرى العجب العجاب!

(بعض) هؤلاء الدلالين هم التجار ويشترون لأنفسهم، أو يبيعون لأنفسهم، من خلال عملية فيها شيء من الحيلة! (اتفاق مع بعض العمالة لشراء محصول معين من المزرعة – معروفة لديه مسبقًا – مباشرة وجلبه للحراج فيبدأ الدلال بالحراج عليها أولاً ولكلٍ أسلوبه، وفهمك يكفي!)

أما المزارع (النزيه) -وهم الأكثر- فهو الحلقة الأضعف، رغم كونه هو الأساس في العملية التجارية. وهذا قد يكون أمر عادي، وقد يكون هناك خلل ما.

فإما أن يغنم الأمانة ويخسر المال، أو تميل نفسه (الأمارة بالسوء) فيكسب مالاً فيه (شبهة الغش)!

يصيب بعض المزارعين الإحباط! ويعتريه الندم على نتيجة غير عادلة. فهو الذي خسر وتعب واهتم وبذل مالاً ووقتًا وضحى بالكثير ليخرج منتجًا هامًا لا غنى عنه، فيكسب جميع من هم في فلك المنظومة، إلا هو، ينهي موسمًا بعد موسم متوجًا بلقب (الخاسر الأول)!

العديد من الأمور التي تحتاج للمراجعة، ولا بد من تدخل إداري، للمساعدة في ضبط ميزان (التجارة الزراعية).

في كل موسم تتكرر نفس الأسطوانة، وقد قال لي أحد الأصدقاء في حديث عابر – وهو من أسرة اشتهرت بالتجارة في التمور- (هم يزرعون ويتعبون ونحن في النهابة الرابحون)! وكلامه صحيح 100 في الـ 100.

رأيت في سوق المدينة المنورة للتمور هذا العام مسار خاص في بداية السوق خاص بـ(جمعية أصدقاء شجرة النخلة)، والحق إنهم يقومون بجهد كبير في الارتقاء بهذه الشجرة المباركة، ويقدمون خدمات مميزة.

دون الخوض في تجاذبات التجار الدلالين، عمل منظم بطرق نموذجية وفق خطط معدة وبرامج تهدف إلى نشر الوعي الزراعي والتجاري بعيدًا عن الجوانب الربحية، والمساهمة في نفع المزارع.

وما كان في سوق التمور، هو الحال في سوق الخضار، فما أدري ما الأمر الذي يجبر المزارع على أن يكتفي بلقب (الخاسر الأول)!

قفلة: جاء في كتاب زهر الأكم في الأمثال والحكم لـ (الحسن اليوسي)

(بعض الشر أهون من بعضٍ)

هذا مثل مشهور وظاهر المعنى. ويوافق من أمثال العامة قولهم: (نصف الخسارة ولا الخسارة كلها).

(أَبا مُنذِرٍ كانَت غَروراً صَحيفَتي    وَلَم أُعطِكُم بِالطَوعِ مالي وَلا عِرضي

أَبا مُنذِرٍ أَفنَيتَ فَاِستَبقِ بَعضَنا     حَنانَيكَ (بَعضُ الشَرِّ أَهوَنَ مِن بَعضِ)) * طرفة بن العبد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟