لكم غبانتكم ولنا عمامتنا.

العمامة حجازية عربية، و90٪ من أبناء الحجاز هم أبناء قبائل، وهم الأعرف والأعلم بزيهم وتراثهم وموروثهم، فلماذا تريد أقلية وفدت إليه وسكنته فرض زي مختلف عن زي أهل الحجاز الذي يعرفونه، وإلغاء الزي الأصلي لأهله، بل واستبداله بالغبانة؛ كما حصل سابقًا في المزمار، والذي سعوا لتسجيله كلون حجازي وحيد، وهمشوا كل الألوان الحجازية الأصلية الأخرى.

لماذا يرفضون كل الأزياء الحجازية الأخرى وفنونه، ويهمشونها، ويريدون فقط الغبانة والمزمار؟!!

“كذبة الغبانة” وما جاء على شاكلتها -رداء كان أو فنا- تم اختلاقها في السنوات الأخيرة فقط، والجميع كان يعرف أنها زي موجود لدى البعض من وفدوا على الحجاز، كما هو الحال في المزمار الذي كانوا يلعبونه في الأعياد والأحواش والحارات، ولم ترفض، ولم يتم الاعتراض عليها إلا بعد المحاولات الأخيرة لترسيخها كزي وحيد للحجاز عمدًا؛ لأننا تجاهلناها لسنوات، ولم نتصد لزحفها وتمددها حتى شوهت مع الأيام ذاكرة الأجيال.

لم نكترث بـ”كذبة الغبانة” وغيرها، وتعاملنا معها ومع مُطلقيها بتجاهل، حتى امتد أثرها، وأصبح لها اليوم مدافعون يحاولون رسمنتها، وشرعنتها، وفرضها لتكون هي فقط تراث أهل الحجاز.

وكم أحسن المستشار تركي آل الشيخ وقتما ألقى حجرا في الماء الراكد، ليثير حميّة المُدافعين عن التراث، بل أحسن أكثر حينما أفسد محاولات البعض ممن يحاولون تأصيل هذا الزي والتسلل به إلى المهرجانات والفعاليات السعودية.

لم تشكل “الغبانة” وما جاء على شاكلتها “أزمة” -كما يسميها البعض- عند أهل الحجاز، تستدعي بدورها غضب أهل القبائل، فنحن نحترم “تراثنا”؛ كما نحترم تراث القادمين إلينا من كافة البلدان -زيّا كان أو فنّا أو طقوسا احتفالية.

استقبلنا كل الثقافات الوافدة من الشام والمغرب والهند وأفريقيا ومصر وباكستان وغيرها من البلدان، واندمجنا مع أهلها ممن عاشوا معنا لسنوات طويلة، شاركناهم أفراحهم ورقصات مزمارهم، وارتدى البعض منّا زيهم استجابة لحالة القرب والاندماج معهم.

ولكن!! يبقى لـ”التعايش” الذي تشدّق به البعض منا -انتصارا للغبانة وغيرها- قانون مُلزم يعرفه الكل ولا يغيب عن أحد، فبين التعايش الجميل، وبين ذوبان الإرث والموروث فرق واضح، فلكل وطن تاريخه الفني وتراثه الثقافي الخاص الذي يحافظ عليه في خزانة أمينة ويرفض المساس به.

احترمنا ثقافات الأوطان، ولم نضع -كغيرنا- قيودا تُلزم من جاء إلينا أن يرتدي زيّنا ويتعلم لهجتنا ويلتزم بطقوسنا التراثية، بل تركنا الكل “حرا” فيما يرتدي ويرقص ويبتهج، يلتزم بغبانته زيّا ورداء، ويسعد على نغمات صوت مزماره.. “لكم زيكم ومزماركم، ولنا إرثنا وموروثنا”.

ومع فضائل أهل الحجاز وقربهم واندماجهم مع تراث الأوطان، نسينا أن هناك من يسعى -عمدا- لرسمنة الغبانة وشرعنتها وفرضها كزي حجازي، بل يتطاول ويهاجم كل من يتصدى لهذه “الكذبة” ويحاول محوها، متهما إياه بالعنصريّة.

المستشار تركي آل الشيخ دق الجرس، مُحذرا من تمدد الكذبة ومن تأثيرها السلبي على الذاكرة الثقافية، ولم ينل إلا هجوم المتطاولين ممن لهم في”الغبانة” مآرب أخرى، وممن يجدون ذواتهم في صناعة قضايا خلافية، والاتجاه بأقلامهم دوما عكس التيار.

أكرر “الغبانة” ليست أزمة -لا قديمة ولا حديثة- ولن نصل لحدّ الأزمات، بل هي كذبة يقف وراءها طرفان: طرف أطلقها، وآخر صمت على إطلاقها، وما علينا اليوم إلا اجتثاث هذه الكذبة من جذورها، قبل أن تتمدد أكثر، وتترسخ، وتأخذ مساحات واسعة في الذاكرة الثقافيّة.

رسمنة الغبانة، وشرعنة المزمار، وإلصاقهما بفن الحجاز محاولات مريضة وفاشلة لن يكتب لها النجاح، خصوصا بعد أن استيقظ حماة التراث، ليوقفوا مدّ الأكاذيب، وينتصروا لتراث الحجاز الأصيل.

“الكذبة” -كما علمنا التاريخ- لن يطول عمرها ما دمنا تيقظنا لها، والممحاة صُنعت كي تزيل ما خلفه الكاذبون، وما يسعى المتاجرون لتأصيله.

سؤال:
لماذا تخلى المصري عن جلبابه، والشامي عن طربوشه، والمغربي عن قفطانه، واليمني عن فوطته، وقرروا جميعًا أن يلبسوا القاوق الإندونيسي، والغبانة الهندية، بل وفرضهما كزي حجازي، وهما ليسا لهم ولا من إرثهم وتراثهم؟!!، ولماذا محاولة تهميش الزي الأصلي لأهل الحجاز؟!.

لقد قلت سابقًا: لا تجعلوا “خرقة” أو قطعة قماش تفرقنا، وأكررها اليوم، وأقول:
لا تفرض زيا دخيلا علينا
البس ما تريد.. زيك لك
ونحن لنا زينا والأعرف
بتراثنا وموروثنا.

هذه حقيقة
والعنصري هو من يحاول القفز عليها

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟