المستشرق الألماني والمدينة المنورة قبل 100 عام  

من سلسلة مقالات المدينة تاريخ يحكى  

د. فؤاد المغامسي 

كاتب وباحث تاريخي

منذ اختراع آلة التصوير عام 1255هـ/1839م حرص أغلب الرحالة والهواة وخاصة المستشرقين على التقاط وتوثيق البلاد البعيدة والديار ا لمقدسة (مكة المكرمة, والمدينة المنورة, والقدس الشريف), وهذا يفسر كثرة الصور التاريخية لمكة والمدينة, في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين  بل وهي أول الأماكن التي التقطت لها صور في الجزيرة العربية, وكان ممن أهتم بتوثيق المدينة المنورة في رحلاته عالم الآثار وأمين مكتبة وأستاذ جامعي هو برنهارد مورتس من مواليد الرايخ الألماني عام 1275م/1839م,  وتوفي في ابان الحرب العالمية الأولى عام 1358هـ/1939م, فمن خلال مسيرة حياته زار المستشرق وعالم الآثار بيرنهارد موريس المملكة العربية السعودية قبل مئة عام, ومن أبرز ما قام به هو التقاط صور للمناطق التي زارها ومنها المدينة المنورة.

وقد ترك لنا من الصور النادرة وبدقة عالية أقدم وأندر صورة لأطم وحصن كعب بن الأشرف الواقع الآن في العالية جنوب الدائري, وتبين الصورة التي تعود لأكثر من 100 عام شكل الأطم أو الحصن الذي لم يتغير منذ ذلك الزمن وإلى الآن, كما يظهر أن المنطقة المحيطة بالأطم الواقع على منحدر من وادي بطحان أحد أشهر الأودية التاريخية والذي ورد ذكره في السيرة النبوية المطهرة بأنها جرداء لا يوجد أي آثار لبساتين ومزارع كما هو الآن.

وأيضاً من الصور الجميلة التي توضح جانب مهم من تفاصيل الحياة وتوثق المكان وتشرح كثير من النواحي الاجتماعية وطبيعة المنطقة والأزياء العربية ووسائل النقل هي صورة لركب في بطن وادي العقيق أحد أشهر أودية المدينة المنورة والذي ورد ذكره في السيرة النبوية المطهرة, ويظهر في الصورة بعض المزارع التي تقع على سفح وادي العقيق, وجريان الماء في بطن الوادي, كما يظهر الزي العربي لثلاث من الركب معهم الفرس والذلول.

الشاهد أن في الصورتين المرفقة وغيرها من الصور التي التقطها عالم الآثار الألماني بيرنهارد موريتس والتي امتازت بالدقة العالية, وبعضها صور بانوراميه توضح مدى ادراكه لقيمة التوثيق كون الصورة البصرية تعتبر إحدى مصادر التوثيق المهمة والتي قد تشرح من خلالها العديد من المعلومات وتفسر كثير من الإيضاحات التي ربما لا تفهم من خلال الوصف الكتابي, وقد التقط المستشرق الأماني بيرنهارد مورييتس ما يقرب من 105 صورة لمناظر لعدد من مدن المملكة العربية السعودية  لمكة المكرمة, والمدينة المنورة, وجدة وينبع وساحل البحر الأحمر, وسكة حديد الحجاز, لذلك تعد هذه المصادر الوثائقية هي أدوات مساعدة للباحث كما أنها تنقل من يشاهدها إلى ذلك الزمن فالصورة هي لغة عالمية بل هي لغة تتحدى الأمية رغم تغير الألسن واللغات, لذلك يعتمد عليها في شرح تطور الحياة ومراحل النهضة وأيضاً تعطي للمبدعين أصحاب الفنون الأخرى من خلال الوصف أو الرسم إلى تحويل الصورة البصرية (الفتوغرافية) إلى خطاب لفظي أو  إلى لوحة جمالية نزين بها حياتنا.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟