كيف نعيد توثيق القيم من الموروث؟

إرث تاريخي هائل تزخر به مناطق المملكة المختلفة، ولا غرابة فالجذور التاريخية الأصيلة جديرة بأن تكوّن هذه الكنوز الثقافية العالية، والتي تتماهى مع الحالة الاجتماعية والبيئة الجغرافية ونظام التعايش الإنساني في المكان.

لا يكاد يمر مجلس إلا وتذكر فيه قصة أو أكثر من الماضي القريب أو البعيد تحمل الكثير من المعاني والقيم العليا، وربما تحمل الندرة والغرابة!

ومثل هذه القصص والحكايات رغم بساطة طرحها تشكل أنموذجًا لشد انتباه المتلقين وخاصة صغار السن الذين لم يسمعوا بها مسبقًا، وهذا فيه إشارة إلى أن نبل المعاني مرتبط بابن المكان ارتباطًا عاطفيًا فطريًا.

الكثير من هذا الإرث يشدنا سماعه أكثر من قراءته! ولم أعرف السبب! هل هو نتيجة تاريخية متوارثة من ميل إلى المسامرات والسماع، أم لعدم جودة الطرح القرائي وعدم توافر الأدوات الكتابية القادرة على رسم الصور التعبيرية بما يفي؟

كنت في زيارة قبل فترة وجيزة لمدينة (باتومي) في جورجيا، وشاهدت فيما شاهدت تمثالاً متحركًا، تمثال (علي ونينو) وهو تجسيد حركي لقصة حب لا أدري أسطورية أم واقعية! ولكن وإن كانت واقعية فبلا شك لن تنجو من الحياكة الأسطورية، وأزعم أن كل مَن شاهد هذا التمثال لا بد وأن بحث وسأل عن أصل القصة، فيغوص في الحالة الاجتماعية لتلك الفترة الزمنية، ويقف على تلال التاريخ لتلك الأمة. وبهذه الطريقة تم -وبكل اختصار- إيصال هذا الإرث إلى الكثير من الفئات والطبقات والمجتمعات الأخرى ناهيك عن المجتمع المحلي.

نحن لدينا موروث كبير، ووفرة في كافة المناحي الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، جاء في كتاب (العقد الفريد)

لـ(ابن عبد ربه الأندلسي)

(قالت العرب: أسخى من حاتم، وأشجع من ربيعة بن مكدّم، وأدهى من قيس ابن زهير. وأعزّ من كليب بن وائل. وأوفى من السّموأل. وأذكى من إياس بن معاوية... وأمنع من الحارث بن ظالم. وأبلغ من سحبان ابن وائل. وأحلم من الأحنف بن قيس ...

يقال: أشأم من البسوس. (…). وأمنع من أمّ قرفة، ()، وأبصر من زرقاء اليمامة.

والبسوس: جارة جسّاس بن مرة بن ذهل بن شيبان، ولها كانت الناقة التي قتل من أجلها كليب بن وائل، وبها ثارت الحرب بين بكر بن وائل وتغلب، التي يقال لها حرب البسوس.

وأم قرفة: امرأة مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يعلّق في بيتها خمسون سيفا كل سيف منها لذي محرم لها.

وزرقاء بني نمير: امرأة كانت باليمامة تبصر الشّعرة البيضاء في اللبن، …)

وغير ذلك الكثير ففي الحب لا يمكن إغفال (عنترة وعبلة، وجميل وبثينة، وقيس(المجنون) وليلى، كثيّر وعزة، وقيس (ابن ذريح) ولبنى…) وغيرهم الكثير جدًا.

فهل سنجد من يخلد تلك القصص بطريقة مختلفة، وبأسلوب مختلف؟ أرجو ذلك..

قفلة: (أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ    فَقَبَّلَني  ثَلاثاً  في  اللَثامِ

             وَوَدَّعَني   فَأَودَعَني   لَهيباً    أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي) *عنترة بن شداد العبسي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟