جائحة كورونا … بين اختبار التشريعات وتطبيقات الظروف الطارئة

بقلم المستشار القانوني: أحمد الحربي

 

عند سن أي نظام أو تشريع يراعي القائمون عليه جميع الظروف المحتملة، وهذا من باب الكمال في الصياغة التشريعية. حيث أن القانون المتكامل هو الذي يراعي جميع الظروف المحتملة أثناء تطبيق النظام. وقد ترددت كثيرا للكتابة عن تطبيقات الأنظمة في مثل الحالة التي نمر بها هذه الأيام، إبتداء بقرار تعليق الدراسة وتعليق حضور الموظفين لمقرات عملهم إلى قرار منع التجول طوال اليوم. فهناك عدد من الأنظمة لم تنص على آلية التعامل مع مثل هذه الحالات. وعليه فقد كان من المنتظر أن تصدر القرارات تباعا لتحديد العقوبات المنتظرة لكل من يخالف هذه القرارات. ونظرا لكون هذا الظرف حالة استثنائية، فليس من العيب خلل التشريعات فيما يخص هذا الجانب والذي تم مراعاته في المادة (62) من النظام لأساسي للحكم: ” للملك إذا نشأ خطر يهدد سلامة المملكة، أو وحدة أراضيها، أو أمن شعبها ومصالحه، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، أن يتخذ من الإجراءات السريعة ما يكفل مواجهة هذا الخطر” وعليه فقد كان من الواجب إصدار الأوامر التي من شأنها المحافظة على المصلحة العامة.
لا شك في أن لهذه الجائحة تأثيراً كبيراً على التزامات التجار والعمال وكافة أطراف العقود فلا يمكن لأحد إنكار ذلك، وقد شرعت كافة مؤسسات الدولة بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله في إجراءات تساهم في تخفيف الأعباء على الجميع، فتم تعديل بعض الأنظمة لتحقيق الاستقرار في كافة أجهزة الدولة وكافة المنشآت، كما صدرت عدد من التوجيهات لتقديم الدعم المالي وإيقاف تحصيل الرسوم؛ بل أنه قد صدرت أوامر لتقديم بعض الخدمات المدفوعة مجانا للمساعدة في تجاوز هذه الأزمة.
وقد كثر خلال الأيام الماضية الحديث عن نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة، وهي من أسباب امتناع أطراف العقد عن الوفاء بالتزاماتهم. حيث راعت الشريعة الإسلامية الحوادث الطارئة ضمنا بمسميات فقهية منها “العذر” و “الجوائح” فقد وضعت تفصيلا لكل مسألة وفقا لظروفها ولم تنتج نظرية متماسكة عن الظروف الطارئة كبقية النظريات المتكاملة ولا يعد ذلك شذوذا تشريعيا فالفقه الروماني مثلا سار على هذا النهج ولم يضع نظرية متكاملة في هذا المجال. وحيث أن ظروف كل حالة تختلف عن الأخرى، إذ أن الهدف هو الوصول إلى إزالة الضرر فقد نشأت الكثير من المبادئ التي تراعي الظروف الطارئة ومنها قاعدة (الضرر يزال) وقاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، أما بخصوص النظام القضائي السعودي فقد تبنى هذه المبادئ وقد صدرت من المحاكم العديد من الأحكام التي تراعي هذه الظروف. وفيما يخص بعض الأنظمة كنظام العمل مثلا فإن استغلال هذه القواعد قد يؤدي إلى كثير من الخلل من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، مما يسترعي تحرك سريع من الحكومة في هذا الاتجاه، وقد أصدرت الحكومة عدد من القرارات فاقت أقصى التوقعات .
أخيرا، يجب أن ندرك أننا نسير في مركب واحد ويجب علينا جميعا التعاون وتحمل جزء من العبء لأجل تجاوز هذه المرحلة والوصول إلى بر الاستقرار.

‏Twitter:@alharbi_ahmaad

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟