مو كل مدردم باذنجان ..

المتاحف.. متعة حواس وثقافة مدارك

بقلم: م. حسان طاهر

 

“الرجاء ممنوع اللمس” .. أهم وأول قاعدة رسمية متبعة في جميع متاحف العالم … لكن في ظل تطور العرض المتحفي الملفت في الآونة الأخيرة قد تصبح هذه الجملة أثراً من الماضي. فمع التوجه العالمي لتفعيل الثقافة المتحفية وتنويع عناصر الجذب ورفع مستوى التفاعل مع الجمهور ، بتنا نرى المتاحف قد توجهت لتوفير الأنشطة التفاعلية المختلفة والمتجددة, ومن ذلك استخدام الادوات التقنية بشتى وسائلها كشاشات اللمس وتقنيات البعد الثالث، وخلاف ذلك مما توفر في خدمة العرض المتحفي.

لكن كما نقولها بالعامية “مو كل مدردم باذنجان” .. بمعنى مو كل أداة أو تقنية جديدة قد تلبي للمتاحف التفاعل الجماهيري المطلوب ،فبعض المتاحف رغم ضخامتها ومكنوناتها لازالت تعاني حتى اليوم من توفير عناصر الجذب المناسبة ، لدرجة أنها قد تكون غير معروفة لدى الجمهور. والبعض الآخر من المتاحف نراه قد طغى في استخدام التقنية لدرجة خرج فيها عن اطاره المتحفي وأصبح معرضاً تقنياً اكثرمما هو متحف متخصص. ناهيك عن المتاحف التي وفّرت ادوات العرض التقنية لكن لم توظفها التوظيف الصحيح فباتت لا تؤدي الغرض المرجو منها.

اذن المسألة مسألة فكر .. فالتقنية ليست غاية ولكنها وسيلة، فهناك من المتاحف من نجح في لفت أنظار الجمهور دون حتى استخدام أي تقنية، وهناك من تميز باستخدامها بطرق خارجة عن المألوف.

كلنا يذكر المقطع الشهير لمتحف ريكز الهولندي عام 2013م متحف الفنون في مدينة أمستردام والذي أقام مهرجانات عمت المدينة احتفاء بقدوم لوحة رامبرانت الشهيرة “اليقظة” للمتحف بعد إعادة ترميمها,وفق خطة مدروسة ودون استخدام اي تقنية ، وذلك بتجسيد المشهد الحيوي للوحة داخل المولات التجارية بإبداع متقن وملفت للأنظار، مما حقق شهرة عالمية مدوية.

وهناك بعض النماذج الفريدة والنوعية لبعض المتاحف حول العالم استطاعت ان تصنع عناصر جذب فوق العادة، من ذلك المتحف الفرنسي Cité Internationale de la Gastronomie”” , متحف فن الطهي العالمي في مدينة ‫ليون – فرنسا. والذي يغمر زواره في عالم فن الطهي الفرنسي والعالمي باستخدام كافة الحواس الخمسة ، حيث يتيح لزواره فرصة هضم المعلومات حول كل شيء بدءًا من كيفية تطور الطعام تاريخياً إلى إعداد مائدة عشاء جذابة , ومن حياة وموروثات الطهي في مدينة ليون إلى الأواني المستخدمة في المطابخ العالمية, ومن مجموعة من المعارض التفاعلية والتقنية عن المأكولات حول العالم، الى روائح النكهات والطبخات عبر التاريخ. ناهيك عن موقع المتحف والذي تم اختياره بعناية ، حيث مدينة ليون التي تعتبر معقل الطعام الفرنسي، مما جذب الأنظار للمتحف بشكل أوسع ومبهر

ولعلي أختم معكم بتجربة سعودية رائدة ونوعية في هذا المجال انطلقت مؤخراً كأداة جذب سياحي تحت مسمى برنامج “حواس السعودية” ضمن عدة مبادرات مميزة للترويج السياحي، هذا البرنامج الفريد يأخذكم في رحلات صوتية مُلهمة تجسد تنوع وثراء تراث بلادنا الغني.. لتكونوا جزءً من حكاية ثقافتها.

إن تجربة الرحلات الصوتية بدأت تسطع مؤخرا في بعض المتاحف العالمية كفكرة تتماشي مع ظاهرة برامج البودكاست, ومن خلال تجربتي للجولات الصوتية لبعض المتاحف فقد وجدت فيها وقع مختلف لمتعة الاحساس السمعي والتأمل العميق والاستحضار الذهني والثقافي. لذلك أجدها فرصة أن أشيد بدور الهيئة السعودية للسياحة في هذه المبادرة الفريدة المحسوبة لصالحها، والمتماشية مع آخر مستجدات عوامل الجذب العالمية .

أخيراً .. ان كانت زيارة المتاحف ثقافة، فالترويج لها فن. وحين ننادي لتفعيل الدور الثقافي للمتاحف وتنويع مصادر الجذب لها فعلينا أن نضع الخطط المدروسة بعناية والتي تتناسب مع اهمية العمق الثقافي الذي تحمله هذه المتاحف.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟