العلاقات السودانية السعودية.. بناء الماضي وتشكُل المستقبل
بقلم : الدكتور الوليد سيد محمد علي
دبلوماسي وباحث سوداني
مما لاشك فيه أن العلاقات السودانية السعودية علاقات قديمة ومتجددة في آنٍ واحد، وهي بلاشك علاقات لها امتدادات تاريخية عميقة وساهمت عوامل عديدة في تطويرها وتعزيزها.
ثمة محددات لكلا البلدين لرسم سياسة خارجية تعزز من مكانتهما الدولية والإقليمية، وقد تختلف دوائر الإهتمام وأدوات تطبيق السياسة الخارجية إلا أن كلا البلدين يتقاطعان في الانتماء العربي والانتماء الإسلامي كما أن الإسلام الوسطي لأهل السودان عزز من مكانة السعودية لدي النُخب الحاكمة بأعتبارها مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين ولها من الآثار الإسلامية ما يدفع أهل السودان لتعظيم مكانتها بين الأُمم.
وكثيرا ما وُصفت العلاقة بين البلدين بالإخاء والتقارب على مر العصور خاصة وأن أهل السودان اشتهروا بالولاء والحب الكبير لأرض مكة والمدينة لأداء فريضة الحج المبرور، ولذلك أرض السعودية لدي غالبية أهل السودان هي رباط مقدس.
وعلى مختلف الحقب الوطنية؛ عقب استقلال السودان في ١٩٥٦ ظلت سياسة السودان الخارجية تتأثر بالعديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، إلا أنه في السنوات الأخيرة منذ انهيار نظام القطبية الثنائية وبروز الولايات المتحدة كقطب أوحد واجهت السياسة الخارجية السودانية العديد من التحديات وكان ابرزها الأبعاد الإقتصادية والتهديدات الأمنية بعد انتشار حركة التمرد في التسعينات من القرن الماضي وتلقيها دعم من بعض دول الجوار، إلي جانب بعض العوامل الإقليمية الأخرى كحرب الخليج الثانية وغيرها من العوامل إضافة للمؤثرات الداخلية من شكل النظام السياسي وأفكاره السياسية وايديولجيته.
حتماً مرت العلاقات بين البلدين بكثير من المراحل ولا سيما بعض الأزمات ولكن ذلك لم يصل حد القطيعة الدبلوماسية المعلنة في العصر الحديث أو الزمن الماضي فشهدت تلك العلاقة فترات من الركود والفتور والتوتر، ويذكر المراقبون دائماً أن العلاقات السودانية السعودية رغم التوتر وأحياناً الفتور لم تظهر أبداً للعلن. الأمر الذي يؤكد عمق ومتانة تلك العلاقات.
ويمكن أن يتم تلخيص العوامل التي تؤدي لذلك النمط السالب في العلاقات إلى:
١- حرب الخليج الثانية، وقد وصف عدد من المراقبين ان تلك الفترة من أسوأ مراحل علاقات البلدين.
٢- الاستقطاب السياسي الحاد للأنظمة السياسية السودانية والعمل علي وضع العلاقة مع السعودية في إطار المحاور والأحلاف.
٣- الايديولجيات العقائدية والقيم الداعية للتقليل من الإنتماء العربي والإسلامي.
إلا أن ذلك كله لم يؤثر في شكل علاقات البلدين ولعل ذلك مادفع البلدين لتعزيز علاقاتهما بالروابط السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها مما أوجد حالة من تعدد أوجه التعاون والدعم المتبادل في المجالات المختلفة ومنها على سبيل المثال:
١- على المستوي السياسي صار البلدان في خندق واحد بعد أن دعم السودان بعدد كبير من قواته المسلحة (عاصفة الحزم) للدفاع عن أرض الحرمين الشريفين ضد اعتداءات الحوثين، وامتد التنسيق العسكري ليشمل التنسيق والدعم السياسي المتبادل في المنظمات الدولية.
٢- على المستوى الاقتصادي لم تنفك السعودية في دعم السودان في العديد من المشروعات وقامت بزيادة استثماراتها بالسودان. وأطلقت العديد من المشروعات الخيرية والإنسانية وغيرها، فظل دعم الرياض متواصلاً عبر صناديق التنمية والمؤسسات التنموية والتمويلية، فالعديد من مشروعات التنمية بالسودان تعد المملكة الداعم الوحيد والأساس فيها.
٣- على مستوى الدعم الدولي؛ حملت السعودية عبر دبلوماسيتها الثنائية والمتعددة والمنتشرة في معظم دول العالم، حملت قضايا السودان ونافحت ودافعت عن مواقفه لكي يتم إزالة إسمه من الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الإقتصادية الجائرة عن شعبه، وكذلك قامت السعوديه بدعم السودان في الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الاوربي في توضيح دوره في مكافحه الإرهاب ومقاومة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر.
المراقب لمستقبل العلاقات يجد أن المُناخ ملائم للدفع بها للأمام وتطويرها استناداً على الأسس التاريخية لها، فعقب ثورة الشعب السوداني في ديسمبر ٢٠١٨ وإزالة النظام السابق في ابريل ٢٠١٩ ساندت ودعمت السعودية خيارات الشعب السوداني وكانت المساندة سياسياً واقتصادياً، ولعل ذلك سيشكل ملامح العلاقات بين البلدين في الفترة القادمة في ظل التحديات المشتركة والمتمثلة في التهديدات الإيرانية واستمرار حرب اليمن.