قياس ..و صدمة الكوبرا !
بقلم : محمد البلادي
إبّان الاستعمار الانجليزي للهند ؛ قررت إحدى المحافظات التخلص من ثعابين الكوبرا السامة التي امتلأت بها الشوارع والمزارع ،ومنازل الناس في تلك المحافظة .. قرر المحافظ وضع مكافأة مالية كبيرة لكل من يقتل ثعباناً ويسلّمه للمحافظة.. جاء القرار بنتائج سريعة، فقد تزاحم الناس على مبنى المحافظة حاملين معهم الثعابين الميتة ليستلموا مقابلها المكافآت المالية .. لكن بعد أشهر قليلة وعلى عكس التوقعات ؛ لاحظ المحافظ ان أعداد الثعابين تتزايد بدلا من أن تتقلص ، وبعد البحث والتحري كانت الصدمة ان بعض المواطنين الهنود قاموا بإنشاء مزارع لتربية وتفريخ الثعابين وبيعها بالجملة والقطاعي، للراغبين في استغلال القرار والتلاعب بالقانون وتسلم المكافئة !. الأدهى أنه بعد الغاء القرار اطلقت مزارع الكوبرا جميع ما بها من ثعابين ، فتكاثرت بشكل اكبر مما استدعى هجرة معظم السكان .. فأطلق خبراء الادارة منذ ذلك اليوم مسمى ( صدمة الكوبرا) علی أي مشروع تأتي نتيجته على غير المأمول او يتحول الى مسار معاكس.
ليس لدينا ولله الحمد ثعابين كوبرا تهدد حياة الناس .. لكن لدينا للأسف الكثير من القرارات (الكوبرائية) التي خلّفت مع الوقت نتائج كارثية، واسواقاً رائجة للمتاجرة والتربح والكسب كان ضحيتها الأول هو المواطن؛ والمواطن محدود الدخل تحديدا ، الذي وضعت على ظهره هذه القرارات المزيد من الأحمال المالية والنفسية والأضرار التي لا يقوى عليها .. ولعل من اكثرها ضرراً قرار (معايير مفاضلة الوظائف التعليمية ) الذي أعطى لاختبار الكفايات ( قياس) 40 درجة، مقابل 20 فقط للأقدمية ، وهذا ليس منطقيا ولا عادلا بالمرة ، فكيف يمكن مساواة نتيجة 16 عاماً من الجهد والدراسة ؛ بنتيجة اختبار واحد يمكن التحايل عليه بسهولة ؟! . لقد صنعت هذه المعادلة (المقلوبة ) نتائج مقلوبة على أرض الواقع ، فضاعفت أعداد العاطلين، وانشأت سوقا موازية للدورات وبيع المذكرات تشبه سوق ( ثعابين الكوبرا ) بالإضافة الى تضرر الالاف من الخريجين الذين وصلت فترة انتظار بعضهم لأكثر من ١٧ عاماً ،حيث يمكن بسهولة ترشيح شخص حديث التخرج ( ان عرف كيف يتعامل مع اختبار الكفايات، الذي أصبح كما قلنا تجارة وتدريب ) بينما يستمر الأقدم في طابور الانتظار، حتى وإن كان متفوقا طيلة سنوات دراسته ، او حاملاً لمرتبة الشرف ! .. و يزداد الأمر سوءا عندما يُسمح للموظفين الراغبين في تحسين أوضاعهم وهم على رأس العمل بمزاحمة العاطلين من الشباب والشابات.. مما يقلل بالتأكيد من فرصهم ، ويزيد من معاناتهم !..
نجدد الدعوة للأعزاء في وزارتيّ التعليم والخدمة المدنية للنظر بعين العطف والرحمة تجاه أبنائنا وبناتنا الخريجين القدماء ، وتعديل درجة قياس في مفاضلة الترشيح ، بحيث لا تزيد أبداً عن درجة الاقدمية ، فالعمل ضرورة ، وجميع الخريجين هم ابناء هذا الوطن، وهم على أتم الاستعداد لخدمته .. وهذا ممكن حتى ولو بإجبارهم ( بعد التعيين) على حضور دورات مكثفة لاستعادة لياقتهم التي ربما فقدوها طوال هذه السنوات
ليس المهم هو وضع القانون ، بل الأهم هو متابعته وقياس أثره ومدى تحقيقه لأهدافه ،و تصحيح مساره .. والأكثر أهمية معرفة مدى تضرر الناس منه