الدكتورعايض الردادي السهل.. الممتنع

( قضية .. ولا أبا حسن لها.. ) قول مأثور عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه … إذا عُرضت عليه قضية واستغلق حلها ولم يتوصل إلى الفصل فيها لجأ إلى رأي الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما تميز به من فهم وحكمة وعقل وسابقة في الإسلام وقرب من نبي الهدى صلى الله عليه وسلم …

وبقيت هذه الحكمة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالدة تالدة تستعار منه كلما تجمعت الحكمة والمعرفة في شخصية وصارت سمة لها تعرف بها ويبحث عنها وقت انغلاق الحلول أو صعوبتها ولا شبيه لعمر ولا لعلي رضي الله عنهما ولكن المثل أو القول البليغ يبقى ويُستعار ويكون له موقعه وأثره مدى الدهر .

أتذكر هذه الحكمة أو المقولة لابن الخطاب رضي الله عنه ( قضية .. ولا أبا حسن لها .. ) كلما رأيت الأخ والصديق والأستاذ الدكتور عايض بن بنيه الردادي ( أبو حسن ) وهو يحاور ويناقش ويبحث أي قضية لغوية أو نحوية أو رأي في ندوة أو محاضرة أو محاورة في اللغة وشؤونها وفي العربية وشجونها …

أستحضرُ وانا أراه ينبري لكل إشكالٍ أمام أساطين اللغة في أي مجتمع أدبي أو ثقافي وتطول المناقشات والمناوشات يتكلم بالأدلة والبراهين والحجج الدافعة والاستشهاد فينصتُ الجميع ويذعنون لرأيه ومقولته المدعمة بالبراهين والأدلة فأقول : ( قضية .. ولا أبا حسن لها في اللغة وشؤونها والعربية وشجونها .. ) …

ليس هذا جديداً لدي ولكنها قناعات وإعجاب تولَد منذ أن عرفتُه قبل أكثر من أربعين عاماً ولا يزال في نفسي مؤمناً به وقد آمن من قبلي جهابذة اللغة وأساطين التربية والمعرفة منذ أول يوم رأيت فيه أبا حسن ( د. عايض الردادي ) وهو يدخل النادي الأدبي بالمدينة المنورة ويجدُ أمامه ثلةٌ من الأدباء والمثقفين يتناقشون في قضية لغوية وكان على رأسهم الأستاذ عبدالعزيز الرييع يرحمه الله تعالى رئيس النادي الأدبي بالمدينة المنورة والدكتور محمد العيد الخطراوي واللواء الشاعرعلى عويضه والشعراء حسن صيرفي وعبدالرحمن رفه ومحمد هاشم رشيد رحمهم الله جميعاً ومجموعة من الدكاترة في الجامعة الإسلامية وبعض مدرسي المسجد النبوي الشريف وما أن دخل ( أبو حسن ) حتى هب الجميع لتحيته والترحيب به وكان في ذلك الوقت أحد أعمدة الإعلام ويُحضر الدكتوراه ولم ينلها بعد ولكنه معروف بضلاعته في اللغة فقال الربيع يرحمه الله تعالى مرحباً ومشيداً ومستفتياً في القضية إياها ( قضية .. ولا أبا حسن لها .. ) وكنت لاأعرف الدكتور عايض الردادي فوقف ليلتها وفند القضية موضع النقاش وقوبل بالرضا والاقتناع من الجميع …

وهكذا هو الدكتور عايض الردادي منذ أن رأيته وكنت أسمع صوته في الإذاعة مذيعاً ومعلقاً ومعداً للبرامج .. رأيته في ذلك المساء رجلاً تبدو عليه البساطة والتواضع والبعد عن مظاهر الخيلاء والاستعلاء ولكنه ملىءٌ معرفةً وحكمةً وحُجةً وطلاقة لسان وفصاحة لغة وطيب معشر وحنكة وأدباً وأصالةً واعتزاراً. ومنذ ذلك الوقت وأنا محب لهذا الرجل معجب بطموحه وخطواته الفسيحة في عالم الإعلام واللغة والأدب …

وعُرف ( أبو حسن ) بهذا كله منذ أن وطئت أقدامه أعتاب المعهد العلمي بالمدينة المنورة مروراً بصالات كلية اللغة العربية بجامعة الإمام وبوابات الجامع الأزهر بالقاهرة وحصوله على شهادة الدكتوراه في الأدب والنقد لم تتغير أخلاقياته ولم يُشعر الآخرين بتميزعنهم وبقي كما هو في أروقة وزارة الإعلام مذيعاً ومنسقاً ومديراً للبرامج ثم مديراً لوكالة الأنباء السعودية ومديراً للأخبار ومساعداً للتخطيط والدراسات ووكيلاً مساعداً للإعلام الداخلي والخارجي …

وبعد ذلك عضواً في مجلس الشورى ثم في هيئة حقوق الإنسان وأُستاذاً في كلية اللغة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية …

إضافةً إلى مشاركاته في المؤتمرات والندوات الإعلامية والاتحادات والمنظمات الإذاعية واتحادات وكالة الأنباء وعضواً في عدد من الهيئات والرابطات والجمعيات العلمية واللجان والجوائز والأندية.

وكان للدكتور عايض الردادي حضور مميز في مجمع اللغة العربية بالقاهرة .. وقد مثل المملكة العربية السعودية ومثل الإعلام السعودي خير تمثيل في كافة الملتقيات الإعلامية على مستوى العالم العربي والإسلامي والعالمي …

وخلال رحلة امتدت لثلاثة عقود في الإعلام السعودي عاصر أبو حسن خمسة من وزارء الإعلام كانوا يجلونه ويقدرونه لما رأوا فيه من قوة في اللغة وحنكة في الإدارة وبلاغة في المنطق ونزاهة في اليد واللسان وتُوج عمله الإعلامي عندما اُختير عضواً في مجلس الشورى وأقام له وزير الإعلام حينها الأستاذ إياد مدني حفلاً ببرج التلفزيون بالرياض في ليلة الثامن من شهر ربيع الثاني لعام 1426هـ وليلتها في حفل التكريم أحاط به زملاؤه في الوزارة وممثلون من الشورى ورجال الصحافة محبين ومهنئين وشاكرين لمسيرة حافة بالإنجازات ...

إضافة إلى العديد من مناسبات تكريمه من مختلف الجهات العلمية والثقافية والإعلامية …

ولا شك أن أبا حسن وهو يتخطى ثلاثة عقود في المجال الإعلامي مصابراً وعصامياً وحاساً بمسؤولية الكلمة منطوقة ومكتوبة ومصورة بمعرفة وعمق ونزاهة وإخلاص يعتبر من أصحاب العزيمة الصادقة والمواطنة الحقة وحُق له أن يفتخر بالإنجازات الكبيرة والمسؤوليات الجسام التي تَحملَها وغَرسَها في نفوس مرؤوسيه ومن يلوذون به …

ولِئن كان هذا مثار إعجاب بهذه الشخصية الفذة فإن هناك جوانب أخرى هي من الإكبار والإجلال بمكان ذلكم الحضور المميز المتمثل في المحاضرات والندوات والمناقشات في النوادي الأدبية والجمعيات الثقافية داخل المملكة وخارجها وكان للدكتور عايض الردادي قدمه الراسخة فيها ويحسب له ألف حساب في مشاركاته على مختلف الأصعدة لما تميز به من قوة في البيان ومناقشة في الحقائق بأدلة وبراهين لاتقبل الجدل لأنها صادرة من عمق في الثقافة وسعة في الاطلاع وتمازج بين الدين والعلم والشجاعة والمروءة ومكارم الأخلاق ..

وإلى جانب ذلك وخلال مسيرته الموفقة مع الكلمة والحرف برزت مؤلفاته التي تجاوزت ( 26 ) كتاباً في الأدب والإعلام والتاريخ والثقافة وأخذت مكانها في المكتبة العربية وقد تناول كثير منها دراسة أدب الجزيرة العربية وتاريخها وأعلامها ومواضعها …

وهي مؤلفات رصينة صبغها بثقافته الواسعة المعروفة عنه في الأوساط الثقافية والاجتماعية والمعرفية …

واحتل الوفاء في الدكتور الردادي جانباً كبيراً من نفسه طيلة حياته ولا يزال ومن ذلك الوفاء ( بوحه وذكرياته ) عن أخيه عوض بن بنيه الردادي ( أبو الأيتام ) رحمه الله تعالى وارتباطه بالأديب الإنسان عبدالعزيز بن احمد الرفاعي يرحمه الله حيث أصدر عن ندوته كتاباً كما قام بجمع وترتيب وتحقيق شعر الرفاعي وكان وفياً معه حياً وميتاً وكذلك ارتباطه ووفاؤه مع علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله الذي لازم خميسيته طوال حياته وكتب عنه العديد من المقالات وجمع أكثر بحوث الشيخ الجاسر ومقالاته في التاريخ عن المدينة المنورة في مجلد تجاوزت صفحاته (840) صفحة ...

وقام بهذا العمل وفاءً للشيخ واعترافاً بفضله ووفاءً لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث جمع ماتفرق ووثق مايستحق التوثيق .. فجزاه الله خيراً ووفقه .

وعود على بدء أقول : لقد استمتعت كثيراً بسيرة الدكتور عايض الردادي التي ذكرها في كتابه      ( من مدرسة الصحراء .. خطوات ومحطات ) وهو كتاب يورد شيئاً من السيرة الذاتية والإعلامية والثقافية له يحفظه الله تعالى وحسناً فعل . حيث ولد في (فَرع الردادة ) ونشأ وترعرع ودخل مدرسة الصحراء في المسيجيد وتطرق للحياة العامة في ذلك الوقت بخطواتها ومحطاتها ومن ثم دراسته في المعهد العلمي بالمدينة المنورة وحياته في حارته المنشية والأحامدة واستفادته في رحاب المسجد النبوي الشريف والتحاقه بكلية اللغة العربية في الرياض ودخوله في دهاليز الإعلام وطرقاته المختلفة …

لقد استمتعت كثيراً وأنا أسير مع الدكتور عايض الردادي في هذه السيرة العطرة المفعمة بالبساطة والثبات والمغلفة بالعفوية والواقعية وأٌعجبت كثيراً بقوله : ( إن الديار تعمر حيناً بأهلها وتخلو حيناً ولكن ارتباط النفوس بها لايتغير .. ) عبارة جميلة رائعة وقفت أمامها طويلاً …

لقد أحسست وأنا اقرأ السيرة حتى التخرج من الجامعة أن ( أبا حسن ) بعفوية ما يكتب وببساطة ولغة وعمق ما يقدم للقارىء أنني أعيش تلك الحياة وأسير عبر طرقات وتعاريج تظللها الحاجة وتحيط بها معاني الإصرار والتحدي … أسير بها ومعها خطوة خطوة بلغة محببة قريبة إلى النفس مختلطة بالوجدان والمشاعر والأحاسيس …

إن السيرة عندما تكتب بهذه اللغة وبهذه البساطة والواقعية وبهذا الأسلوب الراقي تعطي قبولاً لدى المتلقي وتعطي للأجيال اللاحقة معنى العصامية والكفاح ومعاناة الفقر والحرمان التي جعلت الجيل السابق يكد ويتعب ليكون شيئاً يذكر في عالم الحياة …

حفظك الله أبا حسن وأطال في عمرك فأنت نموذج من النماذج العصامية الوطنية الصادقة المخلصة التي تُذكر فتُشكر وتُعطي للأجيال معاني الطموح والإصرار مهما كانت العراقيل والمصاعب …

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟