في خضم معركة كورونا..

متاحف العالم.. "نكون أو لا نكون"

بقلم: حسان طاهر

 

صمت رهيب وهدوء مقلق وغبار متناثر يعلو المقتنيات ويغلف المعروضات ويكسو اللوحات … هذا هو الحال مع توقف الحياة الثقافية والشلل الذي أصاب المتاحف حرفياً في جميع أنحاء الكرة الأرضية, فمن متحف القصر الوطني المهيب في تايبيه الى متحف التاريخ الطبيعي الشهير في لندن مروراً بمتحف الإرميتاج العظيم في موسكو, وصولاً لمتحف المتروبوليتان الذي عادة ما يتسم بالصخب في نيويورك. وما بينهم من متاحف العالم أجمع , قد أصبحت كلها في حالة ركود تام عن النشاط المعتاد, وعن تواجد المعجبين والمثقفين, وعن تفاعل المجتمع الذي كان مزدهراً بطرق غير مسبوقة الى ما قبل حدوث جائحة كورونا.

من كان يتصور أو حتى يتخيل في يوم من الأيام أن نعيش مشهداً حقيقياً يحاكي أحد مشاهد أفلام هوليوود عن نهاية العالم كفيلم Iam Legend أو فيلم World War. حيث منظر المدن الخالية, والشوارع المقفرة, والسكون المرعب. لقد كان عام 2020 عاماً قاسياً لن يمحى من ذاكرة الإنسانية. أتت فيه الجائحة لتغير مفاهيم كل شيء, وتبدأ معها معركة طاحنة تصدت لها البشرية بكل الوسائل والتدابير التي وحدت صفوفهم لمواجهة عدو واحد. هو كوفيلد – 19.

في خضم هذه الأحداث العصيبة كان لهذا الفيروس الضارب بقسوته انعكاساته المؤلمة على الحياة الثقافية, فقد أجبرت الجائحة كافة المنشآت الفنية حول العالم لإغلاق أبوابها أمام الجمهور, والحقت الخسائر الفادحة لهم، وقامت بتعليق جميع الأنشطة والفعاليات المصاحبة. وحتى نتخيل حجم الضرر الذي لحق بالمتاحف العالمية فلننظر الى معدل تأثير الجائحة عليها والذي نشرته منظمة اليونسكو::
90% اغلقت أبوابها, 13% انهارت تماما ولن تعود للعمل مرة أخرى, 5% عرضت محتواها عبر الانترنت, وذلك من مجموع 94 ألف متحف منتشر حول العالم.

هذه الضربة القاصمة جعلت متاحف العالم تقف بكل قوة في مواجهة هذا الوباء وتشهر أسلحتها الدفاعية وترفع شعار “نكون او لا نكون” لتجاوز هذه المحنة ، فبدأت الخطوات المتسارعة وبذلت الجهود الحثيثة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة. كانت أولى الحلول الجذرية هي تقوية أواصر التواصل بين المجتمع والثقافة، والمحافظة على بقاء الجسور بينهم ممتدة في ظل وجود الأزمة, وكان الخيار الأمثل لذلك هو الاتجاه مباشرة لعملية التحول الالكتروني بكافة أساليبه المختلفة وحلوله المبتكرة.

فانطلقت المبادرات الضخمة مثل “الثقافة في بيتنا” والتي أعلنتها وزارة الثقافة الفرنسية كأكبر منصة مفتوحة في تاريخها بالتعاون مع 100مؤسسة ثقافية كبرى. كما انتشرت الأفكار الإبداعية للتفاعل بين مختلف المتاحف وافراد المجتمع عبر مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في حين توالت الشراكات الرائدة بين القطاع المتحفي والتكنولوجي لتنبثق منها مجموعة من الخدمات الفريدة كتطبيق Google Art & Culture جوجل للفنون والثقافة، والذي يتيح فرصة التجول الافتراضي لأكثر من 1000 متحف حول العالم. بينما نجد على المستوى المحلي أن وزارة الثقافة السعودية قد أبدعت بإطلاق حزمة من المبادرات الفريدة لإثراء الجانب الثقافي في هذه الفترة العصيبة منها “معرض فن العزلة” وهو أول معرض فني يتيح فرصة التجول في عدد من الصالات الفنية عبر تقنية الواقع الافتراضي.

لكن بالرغم من النجاح العالمي الملحوظ في خلق مجموعة من الأساليب المبتكرة والرائدة للتواصل مع الجمهور، يظل التحدي الأهم، والخطر الأكبر يكمن في كيفية تقليص حجم الخسائر المالية قدر الامكان ومحاولة توفير البدائل المناسبة. بعض المتاحف لجأت للتبرعات والمساعدات، والبعض الآخر اضطر لبيع المقتنيات واللوحات وإقامة المزادات، ومازالت المشكلة قائمة والحلول حتى الان غير متكافئة.

أخيراً .. كما يقال لكل أزمة جانب مضيء يمكن وصفه بالضوء الكامن خلف السحب الداكنة, لذلك ما سببته جائحة كورونا من متغيرات جذرية يجبرنا على أن نتحلى بالشجاعة الكاملة لتجاهل الأفكار والنماذج القديمة، ونبدأ في تبّني تصور جديد واستراتيجيات أكثر تشويق وابداع عن ذي قبل لمواجهة هذه الأزمة وما بعدها ، فلن تستطيع المتاحف بعد اليوم ان تعتمد على أرقام الحضور القوية التي كانت قد ساعدت في نجاحاتها سابقا.

ويبقى السؤال .. هل انتهى العصر الذهبي للمتاحف ؟؟ .. ماذا بعد الوباء؟ وكيف سيكون

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟