من جادة قباء إلى أحد

جادة قباء التي رسمها واقعاً واسماً وتاريخاً صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة حفظه الله وتابع خطوات تنفيذها بخطط محكمة ومكونات مدروسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد الفيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة المدينة المنورة تعتبر تاريخاً ناطقاً بعمقها وفكرتها وأهدافها ومن خلالها تتجسد مواكب البطولات في مخيلة السائر بها..

فهي تختزن في داخلها وبين جنباتها تاريخ الدعوة الإسلامية منذ أيامها الأولى تمد السائر فيها بشتى الأمجاد الإسلامية لهذه الدعوة إذ كلما فكر وتخيل واسترجع أي صورة أو بطولة يجدها حاضرة أمامه بكل تفاصيلها بعمق خاص وطعم مميز

ففي بداية شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة تناقل الناس على جنبات جادة قباء ذلك الغيظ والحنق الذي ساد مكة ودخل كل دار بها للهزيمة النكراء التي منيت بها في معركة بدر وزاد من ذلك الغيظ أن قوافل مكة لم تعد آمنة من مهاجمة المسلمين لها في غدوها ورواحها ووصلت أخبار قريش في اجتماع بدار الندوة يوم أن قام صفوان بن أمية على الملأ من قريش وهو يقول: (إن محمداً وصحبه عوروا علينا متجرنا فما ندري ما نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل وأهل الساحل قد وادعوهم ودخلت عامتهم معهم فما ندري أين نسلك؟ فإن أقمنا بدارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء وإنما حياتنا بمكة على التجارة..) قال هذا صفوان بن أمية بعد أن كاد أن يقع في الأسر يوم أن قاد قافلة قريش على الطريق الشرقي النجدي والتقى بسرية المسلمين بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه فنجا صفوان ومن معه وتركوا ما معهم غنيمةً للمسلمين

وفي جادة قباء وصلت أخبار ذلك المؤتمر الكبير الذي عقدته قريش في دار الندوة يوم أن وجه عبدالله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم اللوم إلى أبي سفيان بن حرب قائد قريش للهزيمة النكراء التي تجرعوها في بدر وقال يومها: (إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينوا بهذا المال على حربه.. لعلنا ندرك ثأرنا عمن أصاب منا ونحن طيبو النفس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشنا إلى محمد)، وقصدوا بذلك أموال القافلة التي نجت من المسلمين قبيل غزوة بدر

وفي ذلك الاجتماع عقدت قريش راياتها لأبي سفيان بن حرب وعقدت عزمها على غزو المدينة بجيش قوامه ثلاثة الاف مقاتل و 200 فرس وشيءُ كبيرُ من الدروع والرماح والسيوف والسهام

وعلى مشارف جادة قباء بل في مسجد قباء وصلت رسالة العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان العباس مقيماً في مكة لم يظهر إسلامه بعد يخبره بمسير قريش بقضها وقضيضها إلى المدينة لحربها والقضاء على محمد وأصحابه وإصابة الثأر لمن قتلوا في بدر حيث أرسل العباس الرسالة مع رجل من غفار وشرط عليه أن يصل المدينة في ثلاثة أيام وقال العباس في رسالته: (إن قريشاً قد أجمعت السير إليك فاصنع ماكنت صانعاً إذا قدموا عليك وتقدم في استعداد التأهب وذكر عددهم وعدتهم..)، ووصل المرسول إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقرأهـُ عليه أبي بن كعب واستكتمه على هذا الخبر ثم ذهب عليه السلام إلى سعد بن الربيع فأخبره فقال سعد يا رسول الله إني لأرجو أن يكون خيراً في ذلك.. وانتشر الخبر في المدينة فأرجف المنافقون واليهود بهذا أيما إرجاف

ووصلت إلى الرسول أخبار ذلك اللقاء الذي تم بين صفوان بن أمية وبين أبي عزة (عمرو بن عبدالله الجمحي) الذي كان أسيراً في بدر ومنٌ عليه الرسول لفقره فلما رجع إلى مكة التقى بصفوان بن أمية وقال له يا أبا عزة إنا خارجون إلى قتال محمد وأنت أمرؤ شاعر فأعنا بلسانك فأبى قال فأعنابنفسك فلك الله عليٌ إن رجعت أن اغنيك فخرج أبو عزة إلى تهامة يدعو بني كنانة لتغزوا مع قريش

ومن جادة قباء أرسل نبي الهدى عليه الصلاة والسلام فرقة استطلاعية من صحابته الكرام لمعرفة قوام وتجاه الجيش الغازي ورصدوهم في ذي الحليفة وبجانب وادي العقيق إلى المنطقة الشمالية الغربية وساروا معهم حتى استقروا في مصب وادي قناة قرب جبل أحد وراوا جيش قريش ونساء زعمائهم من خلفهم يضربن بالدفوف ويرددن أناشيد حماسية لتشجيع المقاتلين وإثارة حماسهم وعلى رأسهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم حكيم بنت الحارث بن هشام وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وبرزه بنت مسعود بن عمرو الثقفية زوجة صفوان بن أمية وغيرهن

وأخبرت هذه الفرقة الاستطلاعية الرسول بكل هذا فالتفت عليه الصلاة والسلام وقال لمن حوله: (إني رأيت والله خيراً..رأيت بقراً تذبح.. ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينه فأولتها المدينة)

ومن جوانب جادة قباء في صبيحة يوم الجمعة 14 شوال من السنة الثالثة للهجرة سمع الأصحاب المناداة بالنفيروالاستعداد للجيش المكي الغازي لمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم فأخذ الناس حذرهم واستعدوا للحرب والذود عن نبيهم ومدينته المقدسة وشاور النبي عليه الصلاة والسلام في البقاء في المدينة والتحصن بها أو الخروج لملاقاة الأعداء حيث عسكروا بالسبخة قرب أحد وقال في مشورته لأصحابه: (إن رأيتم إن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن همُ دخلوا علينا قاتلناهم)

وكان عليه السلام يميل إلى البقاء بالمدينة والتحصن بها ولكن رجالُ ممن فاتهم لقاء بدر قالوا: (يا رسول الله أخرج بنا للقاء أعدائنا إنا نخشى أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبناً عن لقائهم فيكونوا هذا جرأة منهم علينا وقد كنت يوم بدر في ثلاث مئة فظفرك الله عليهم ونحن اليوم في ساحتنا) وقال أخر من الأصحاب الأنصار المتحمسين للقاء: (يا نبي الله إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية أي لا يصل إلينا أعداؤنا فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ثم وقف حمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي هذا خارج المدينة)

استمع الرسول إلى كل ذلك وغيره وانتهت جلسة المشوره وقام عليه الصلاة والسلام وصلى الجمعة ولما فرغ من الصلاة دخل بيته ولبس لأمته وخرج إلى الناس وارتفع صوت الأصحاب وعلى رأسهم حمزة بن عبدالمطلب قائلين: يا رسول الله لقد استكرهناك للخروج ولم يكن لنا ذلك ونحن نرجع عن رأينا إن شئت) فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه فقد دعوتكم إلى هذا فأبيتم إلا الخروج فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس وانظروا ما آمركم به فافعلوا)

وعلى جادة قباء في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف اجتمع ألف مقاتل مع نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يتقدمهم مئة دارع وفرسُ أو فرسان وساروا من هذه الجادة إلى جادة أحد شرقاً ثم شمالاً ثم غرباً يرشدهم دليلهم أبو خيثمة الانصاري خشية أن تلتقي بهم دوريات المشركينوساروا تتقدمهم ثلاث رايات راية المهاجرين بيد مصعب بن عمير وراية الأوس بيد أسيد بن حضير وراية الخزرج بيد الحباب بن المنذر وارتفعت بجنبات المدينة من كل جهاتها أصوات التهليل والتكبير من هذا الجيش الإسلامي الذي يقوده نبي الهدى عليه الصلاة والسلام حتى وصل موقع مسجد الشيخين اليوم أو مسجد الدرع أو مسجد البدائع وكان فضاءً من الأرض وهذا الموقع به مسجد صغير يسمى مسجد الشيخين نسبةً إلى أطمين من الأطام كانا هناك وأما الدرع حيث وضع الرسول عليه الصلاة والسلام درعه في مباتهتلك الليلة فصلى المغرب والعشاء ثم باتوا في نفس الموقع وتشرف بحراسة الجيش النبوي في تلك الليلة خمسون رجلاً على رأسهم الصحابي الجليل محمد بن سلمه رضي الله عنه وفي هذا الموقع استعرض النبي جيشه ورد من كان صغيراً ومن هذا الموقع ايضاً قبيل الفجر تحرك الجيشالنبوي إلى أرض المعركة وأدوا صلاة الفجر ثم بدأ تنظيم اللقاء            

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟