المقاهي.. من الإبداع إلى الببجي!
بقلم: محمد عوض الله العمري
في سنوات مضت ارتبطت المقاهي بمشاهير الفكر والثقافة والأدب والفن في العديد من مدن العالم والعواصم العربية تحديداً، حتى تجاوزت الهدف الرئيس لإنشائها إلى أهداف أسمى حيث كونت ملقيات ثقافية وأدبية وفنية بارزة، وربما ظنها البعض مصدر الإلهام لتراتيل الإبداع.
فكان شارع المتنبي في بغداد كالبحر الذي يتماوج ثقافة وفكرًا وأدبًا، وفي جنباته وعلى ضفافه العديد من المقاهي التي كانت شاهدة للإبداع، فلا تخلو من تواجد رواد الإبداع وكأنهم يسجلون حضورهم في بحر الثقافة وجو المبدعين من خلال ارتيادها، وكذلك الحال في دمشق حيث الشهرة لمقهى (الهافانا) التاريخي والذي تأسس 1945م في قلب دمشق قبل أن يأفل نجمه ويخبو بريقه، ويبقى أثرًا بعد عين، أطلالًا تستدعي ذاكرة الشعراء! وكان من أشهر رواده محمد الماغوط وغيره العديد من أدباء الأربعينات والخمسينات السوريين، وقاصديه من الدول العربية كالسياب والبياتي والجواهري والنواب وأحمد حجازي، أسماء تلألأت في سماء الإبداع الأدبي والفكر العربي.
وفي القاهرة مقهى الفيشاوي والذي يرجع تاريخه إلى 1779م وارتباطه الوثيق بـ نجيب محفوظ الذي سطر العديد من مسودات إنتاجه فوق طاولاته، وكان يمثل الفضاء الذي يلتقي فيه محبيه وجمهوره وأصدقائه من الأدباء والكتاب والبسطاء كذلك، وبالتأكيد لم يكن نجيب محفوظ أول مرتاديه فقد سبقه العديد من الأدباء والمفكرين والقادة والسياسيين والفنانين.
هذه فقط بعض النماذج وغيرها الكثير من المقاهي التي كانت ملتقيات أدبية وثقافية.
استرجع ذلك كلما رأيت الانتشار الملفت للمقاهي في السنوات الأخيرة في جميع الشوارع والحارات ولا أجد منها ما يُمثل ملتقىً أدبيًا أو ثقافيًا!
أتساءل هل سيرتبط اسم أحدها باسم أحد المثقفين أو المبدعين أو الأدباء أو الفنانين.. أم ستبقى رهينة مشاهدة المباريات وتحدي الببجي واللودوستار وغيرها من الألعاب الإلكترونية؟!
هل من مبادرة لأحد المقاهي (أعني المقاهي في المدينة المنورة) على وجه الخصوص، عن طريق تقديم جائزة لأفضل محتوى أدبي أو ثقافي أو فني؟ أو إقامة برامج ثقافية تستفز الجوانب الإبداعية وتستقطب نجوم الإبداع، فلربما ارتبط اسم أحد المقاهي الحالمة بأحد المبدعين من أبناء وطننا الغالي وهم كثر.
ننتظر ونتطلع لإبداع الفكرة لجذب المبدعين وتكوين علاقة جديدة تربط المقهى بمرتاديه.
