الفائدة الأولى للتبغ

بقلم: أ.محمد البلادي

يذكر الدكتور (جوزيف ستيجليتز) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد (٢٠٠١) في كتابه (العولمة وعدم الرضا عنها) أن أحد أهم أسباب فشل الاستفادة من إيجابيات العولمة في الدول النامية هو افتقار تلك الدول إلى ما أسماه بـ الرأسمال الاجتماعي (Social Capital) ويقصد بهذا المصطلح مجموع القيم والأخلاقيات التي تحكم سلوكيات التعامل في المجتمع، والتي يؤمن بها معظم أفراده، وتمارس في جميع تصرفاتهم ومعاملاتهم اليومية، من أمانة ومصداقية وشفافية وثقة في التعامل وقلة في الفساد ،الى آخر تلك القيم العليا التي لا يمكن لأي حكومة أن تصدر القوانين لخلقها أو لضبطها ولا لقوى السوق أن تمليها.

لا أظن أننا بحاجة إلى شهود عدل لإثبات صحة مقولة (ستيجلتز) فحالة تآكل رصيدنا القديم من هذا الرأسمال الاجتماعي وصلت إلى درجة متدنية ومقلقة جداً، فأسواقنا التي تعج بالبضائع المغشوشة، وطرق التعامل الخادعة التي يتعامل بها معظم التجار تشهد بذلك، بالرغم من الجهود التي تبذلها الجهات المختصة، ولعل معركة (أم السجاير) التي مازالت أقوم من ساقِ على قدم- كما يقول المتنبي- هي أحدث معاركنا مع أرطبونات الغش التجاري، تلك المعركة التي لفتت أنظارنا فيها أهل (الكيف) إلى مالم نفطن له من قبل من غذاء ودواء لوثته يد الغش والطمع، هل يمكن تسجيل هذه الحالة على أنها الفائدة الأولى للتبغ؟ .. ربما !.

من المحزن جداً أن نجد أزهارا وتزايداً ملحوظاً في الرأسمال الأخلاقي للدول المتقدمة بفضل تطور تكنولوجيا المراقبة والضبط، بينما نستورد تلك التكنولوجيا للمظاهر فقط.. وأي مطلع على حجم الغش الذي صار يحكم أسواقنا العربية لابد أن يتساءل: هل أصبحت قيم الأمانة والنزاهة في نظرنا قيماً بلاستيكية مطاطة تتسع بمقدار الحاجة؟! .. أم إنها نظرية التكيف مع المناخ السائد( على طريقة الموت مع الجماعة رحمة)؟! .. هل بتنا نعيش عصر الغش المتمترس خلف أقنعة التدين الظاهري، وثياب التحضر الشكلي؟!

لا املّ من سرد تلك القصة الطريفة عن العجوز البريطانية التي تملك (كشكاً ) صغيرا لبيع (الشوكولاته) والتي رغم أنها لا تصلي في اليوم خمس مرات، ولا تعرف نبياً كان يقول (من غشنا ليس منا) إلا أنها وبعد ارتفاع أسعار (الشوكولاته) وضعت السعر الجديد على الكمية الجديدة فقط، بينما أبقت السعر القديم على كل ما تبقى لديها من الكمية السابقة حتى نفاذها!! .. تعقد مقارنة سريعة بين ممارسات بعض تجارنا (المؤمنين) وتلك العجوز (الكافرة) فلا تملك إزاء تلك المفارقة إلا الابتسام ومط شفتيك!.

في ظل التدهور المتعاظم في أرصدتنا من رأس المال الاجتماعي يصبح الاعتماد على أخلاقيات التجار نوع من السذاجة التي لا تليق.. من هنا تبرز ضرورة تشديد الرقابة وأدوات الضبط والعقوبات أيضاً حرصا على سلامة الناس وأمنهم.. فالمواعظ والخطب لا تضبط المجتمعات ولا تحميها.. القوانين القوية والفعّالة هي من تفعل ذلك، وهي من تساهم في نمو المجتمعات وازدهارها.

اظهر المزيد

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟