الخطيب والشاعر الزللي

هزه الشوق لابنه في المدينة.. فكتب أروع قصائده
تميز في فنون الشعر وأغلب شعره فن ووصف وغزل

محمد أمين بن حسين بن أبي بكر بن خضر الزللي، هكذا دون اسمه الدكتور محمد العيد الخطراوي وهو يحقق ديوانه، وقّدر أن يكون تاريخ ولادته 1183هـ ونحوها، وبهذا يكون عمره حين مات حوالي 58 سنة؛ لأنه توفي 1241هـ.
وسنقدم شاعرنا -هذا الأسبوع- من خلال مصدرين جديرين، نتراوح بينهما في عرض معلومات عنه، وهما ديوانه الذي حققه الخطراوي، وكتاب الشعر الحديث في الحجاز لمؤلفه عبدالرحيم أبو بكر.
ينقل عبدالرحيم أبو بكر عن صاحب (حلية البشر) لشاعرنا “ناظم جواهر الكلام، وناثر أزهار البيان بأنامل الأقلام، تقدم في مضمار البلاغة وما تأخر، وذلل صعاب البراعة بأدبه وما تعذر، فهو العالم بشعار الأشعار والمقتنص لأبكار الأفكار”.
عاش الزللي في ظل أحداث وتقلبات سياسية، انعكست آثارها على معاصريها ثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.
ولعل من أبرزها ما شهدته منطقة الشرق العربي من حدث هام له الأثر البعيد على حياة أبنائها سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا الاحتكاك المباشر بالعالم الأوربي، والتعرف إلى كثير مما عنده من الوسائل العلمية الحديثة.
عاش الزللي حياة عامرة بالأدب والعلم والترحال، أهلته للتأليف والتدريس وقول الشعر، ثم إمامة المسجد النبوي والخطابة فيه، وبذلك حافظ على لقب الخطيب الذي ورثه من والده، ومات وهو أحد الخطباء المعدودين.
وكانت للزللي صلات علمية وأدبية كثيرة بعلماء وأدباء عصره من داخل المدينة وخارجها، وثقتها المراسلات الشعرية، والتشطير والتخميس المتبادل بينه وبين من له بهم صلة؛ كـ(حسن بوسنوي، حسن العطار، السيد إسماعيل بن سعيد الشهير بالخشاب، والأخيران من مصر اجتمع معهما على معارضة موشح الصلاح الصفدي الذي مطلعه:
عُق عن الراح كلَّ من عذلا …. (…………………)
قال الزللي: مرآك للعين قرةٌ وجَلا …. وفي تلاقيك أمن من وجِلا …. يُطلبْ
وقال العطار، وكذلك الخشاب، ولا يتسع المجال لذكر قوليهما.
وله صلة وثيقة بالأديب القاهري أحمد الأزبكاوي، وبينهما مراسلات، منها أن أرسل إليه أحمد الأزبكاوي:
(مولاي كيف أقول ثم أمين …. وعلى دعائي قصّر التأمين)، وهذا مطلع لقصيدة طويلة، فأجابه الزللي:
مولاي حاشا أن يخون (أمين) …. في قصد صدك أو يمينَ أمينُ
داعيك لباه الفؤاد إجابة …. منا إليك ووافق التأمين
ولأنت ذو المجد المجدّ إذا بدت …. للهازلين خلاعة ومجون
والمزح يجلو ما تراكم من صدا …. عين القريحة والضمير ضمين
ولربَّ ظبيٍ من فتون عيونه …. وفتور جفنيه: أنا المفتون
وجننت بالسوداء من أحداقه …. وذؤابتيه والجنون فنون
جنات وجنته بها ما تشتهي …. منا نفوس أو تلذ عيون
والكوثر العذب الشهي رضابه …. حتى النواظر منه حور عين
والدر والياقوت بين شفاهه …. وبوجنتيه الورد والنسرين
متمنع عن حبه مترفع …. لا الحدس يدنيه ولا التخمين
إنْ أنَّ قلبي لا يحن ومقلتي …. بدمٍ تجود عليّ وهو ضنين
وهي قصيدة تزيد أبياتها على الثلاثين بيتًا ردًا على مثلها.
وذكر عبدالرحيم أبو بكر ديوان الزللي بقوله “وقد حفظت لنا مكتبة عارف حكمت في المدينة شيئًا من شعره المخطوط فيما سمي بديوان وعدد أوراقه لا تزيد على اثنتين وعشرين ورقة متفرقة، وأكثر هذا الشعر الموجود في التغزل والمديح”.
وبعرض الديوان على أغراض الشعر وجدناه -والقول للخطراوي- لا يتجاوز ثلاثة أغراض هي: المدح والوصف والغزل، وفي ثنايا ذلك ترد بعض الأغراض كالعتاب والاعتذار.
كان الزللي بمصر، فهزه الشوق إلى ابنه المقيم بالمدينة، فكتب مطولة -نحو سبعين بيتًا- يمتدح فيها الوزير الأعظم ملتمسًا جلب ابنه إليه:
فحقق -رعاك الله- ظني وراعني …. بإنجاح ما أبغي وأرجو وآمل
لعلي إذا أبصرته أو رأيته …. أفيق فعقلي هائم ومخبّل
عسى مهجتي (الحراء) يطفا ضرامها …. ببرد تلاقيه وحزني يبدل
عسى مقلتي ترقا عسى النوم يتقي …. بها وعسى يصفو من الود منهل
وقال مخمسًا أبيات القاضي عياض:
عهد الصبابة عندي غير منتكث …. عدلت أو ملت بي عن خُلقك الدمث
فعد إليّ فؤادي ليس بالعبث …. (يا من تحمّل عني غير مكترث
لكنه للضنا والسقم أوصى بي)
لك البقاء فقد أفنى النوى ومقي …. وصرت صبًّا نحيلاً دائم الأرق
وأنت أصل البلا يا ساحر الحدق …. (تركتني مستهام القلب ذا حُرق
أخا جوى بين بلبالٍ وأوصابِ)
أبكي بدمع كمزن قطره وكفا …. تأسفًا لزمان باللقا سلفا
وكلما جَنَّ ليلي والعذول غفا …. (أراقب النجم في جنح الدجى كلفا
كأنني راصد للنجم أو صابي)
وحقكم أن صبحي بعدكم ظلم …. وصحتي منذ غبتم كلها سقم
وما تلذذ مني بالطعام فم …. (ولا رأيت لذيذ النوم بعدكمُ
إلا جنى حنظل في الطعم أو صابِ)
وله:
فاشرب هنيئًا واسقنيها قهوة …. حمراء وسط زجاجة بيضاء
من كف ساقٍ في لحاه ولحظه …. وحديثه نوعٌ من الصهباء
فإذا رنا هشّ العيون أو انثنى …. فضح الغصون بقامة هيفاء
وإذا بدا والبدر حال تمامه …. لم يدر أيهما رآه الرائي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟