
ربيع.. وأي ربيع!
قال ابن إسحاق: “(وقدم صلى الله عليه وسلّم المدينة) يوم الاثنين، حين اشتد الضحى، وكادت الشمس تعتزل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول…“
تاريخ الهجرة النبوية فيه من الدروس الكثير، ومن القيم والمبادئ ما يغني، ومن تجلي صور الإيمان ما يكفي، لمعرفة الكثير من الأخلاقيات الإنسانية والتعبدية.
ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة المنورة وصولاً إلى قباء بداية وإقامته بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، حيث أسس مسجد التقوى، ثم خرج من قباء يوم الجمعة حين ارتفع النهار متوجهًا إلى المدينة فنزل على أخواله، وهم أخوال جده (عبد المطلب)، ثم على (أبي أيوب) منهم؛ وذلك عشية الجمعة؛ فاحتمل (أبو أيوب) رحله عليه السلام فوضعه في بيته، وخرج جوار من الأنصار يضربن بالدفوف ويقلن: (نحن جوار من بني النجار … نحن جوار من بني النجار … يا حبذا محمد من جار)
فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أتحبنني؟» قلن: نعم. فقال: «والله أنا أحبكن». قالها ثلاثا.
وفرح أهل المدينة بقدومه- صلى الله عليه وسلم- فرحًا عظيمًا وأشرف ذوات الخدور على (الأجاجير) تقلن:
طلع البدر علينا … من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا … ما دعا لله داع
وذكر بعضهم زيادة على هذين البيتين ثالثا: أيها المبعوث فينا … جئت بالأمر المطاع.
و(الأجاجير) كما في (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) لـ شهاب الدين القسطلاني (851 هـ – 923 هـ) (بجيمين-: جمع أجار، وفيه لغة «الأناجير» – بالنون-: أي الأسطح). (كتاب مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار) لـ (أبو مدين بن أحمد بن محمد الفاسي (المتوفى: بعد 1132هـ).
والحديث عن (طلع البدر علينا) فيه خلاف حول المناسبة، فقيل: كان ذلك: عند قدومه في الهجرة. وقيل: عند قدومه من (غزوة تبوك) وفيه تفصيل لست هنا في موضعه!
الأمر الظاهر هو عموم الفرح وظهور ملامحه في مجتمع الأنصار بمقدم الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام- وإعلان بداية الدولة، بداية من النفوس وتآلفها، والأرواح وتعارفها، وبدا ذلك من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتسابق المسلمين في الإيثار، وتعاونهم على البر والتقوى، بمباركة نبوية مباركة.
وها نحن نعيش هذه الأيام ذكرى الهجرة النبوية ونستذكر معها تلك الدروس، الشاملة لكافة النواحي الدنيوية والدينية.
ولعل أبرز ما يشدني هو تحول الحال بين الأوس والخزرج وكان بينهم ما بينهم من قتال -رغم قرابتهم- فتحول ذلك إلى إخاء وسلام وتسابق في الخيرات.
ويتبادر في خاطري: هل يقوم الآباء بدورهم في سرد شيء من هذه السيرة العطرة لأبنائهم وأطفالهم؟
حبذا لو تم ذلك واقترن بمصاحبتهم للوقوف على المواضع كمسجد قباء والمسجد النبوي، وإعطاء ومضات يسيرة حول هذا الموضوع، وإخراجهم من جو رتابة محتويات التواصل الاجتماعي المختلفة المعتمدة على التلقي النظري إلى المباشرة في المشاهدات الواقعية لأن الأثر يكون أوقع في النفوس.
قفلة: (بَطَيبَةَ رَسمٌ لِلرَسولِ وَمَعهَدُ مُنيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ وَتَهمَدِ
وَلا تَنْمَحي الآياتُ مِن دارِ حُرمَةٍ بِها مِنبَرُ الهادي الَذي كانَ يَصعَدُ
وَواضِحُ آثارٍ وَباقي مَعالِمٍ وَرَبعٌ لَهُ فيهِ مُصَلّى وَمَسجِدُ
بِها حُجُراتٌ كانَ يَنزِلُ وَسطَها مِنَ اللَهِ نورٌ يُستَضاءُ وَيوقَدُ
مَعارِفُ لَم تُطمَس عَلى العَهدِ آيُها أَتاها البِلى فَالآيُ مِنها تُجَدَّدُ) * حسان بن ثابت