
التباهي بالعناوين.. في عصر الاقتباس
سلمان السليماني
أصبحت حيلة بعض الناس، اليوم، مجرد التباهي بالعناوين والأغلفة.. إنني أعني الكتب، ولا أعني شيئا غيرها.
تلطمنا في هذا العالم السريع، اللحظي، أمواج الادعاء والاحتفالات المزيفة بالثقافة والقراءة.
لم يعد هناك، لدى الأغلبية، الوقت لقراءة حقيقية، فمهمة القارئ ليست سهلة -كما يظن الكثيرون- بل هي صنعة محترمة، وذات قيمة.
عليك أن تمنح الكتاب وقتا ليس بالهين، ولا بالمسروق والمختطف من ساعات يومك.. مشروع: أن تقرأ، وتبقى متواصلا مع القراءة، عمل بحاجة لاهتمام ومتابعة.
دعكم من المشروع الأضخم، الآن، الذي يجعلك مؤهلا لأن تكون قارئًا بحق؛ لأن هذه الصنعة العريقة تحتاج إلى مران، ورياضة نفسية وروحية؛ لنتمكن منها، وهذا -عموما- ليس موضوعنا هنا.
ظاهرة التباهي، التي غزت واجتاحت معرّفات التواصل الاجتماعي، تعمل حسب هوى وأسلوب السرعة الفائقة، واللمحة الومضية، لتلك المنصّات.
من السهل جدا أن تلتقط الصور للكتب والمكتبات العامرة، بأغلفتها البراقة، وعناوينها الثقيلة، ثم تنشر تلك الصور، وتنتشي بغرورك الثقافي، وليس لك نصيب من تلك الغلّة المعرفية الثمينة، سوى العناوين ولمحات خاطفة على المحتوى، وقراءة المقدمة والإهداء -مع كل أسف وخسارة.
بتنا في عالم يحتفي أكثر بالاقتباس.. لم يعد هناك صفحات تُقرأ على مهل.. كل ما يحتاجه المتباهي، في زمن الأضواء الكاشفة، والشهرة الخاطفة، عنوان، أو اقتباس، أو صورة غلاف توحي بأن هذا الشخص قارئ وضليع في المعرفة، في كتب الفلسفة، بمدارسها وفلاسفتها، والروايات الذائعة الصيت، وعوالم الروائيين الخطيرة، وكتب علم النفس العميقة، والتحليل النفسي وخفاياه، إلى مجلدات الفكر والنقد.. وغيرها.
ما يدعو للسخرية، حقا، هو أننا بتنا مكشوفين أكثر من السابق.. ليس بوسع أحد، اليوم، أن يختبئ خلف قناع مصطنع، فنحن نلعب نفس اللعبة، ونمررها على بعضنا.. نطمح بأن تنجح، وتمر حيلة تباهينا بالمعرفة والتثقف، ولو قليلا، وبحدود تظهرنا على أننا مثقفون وقراء عتاة ومخضرمون.. نصلح لأن نبدو كسادة وسيدات أصحاب فكر ودراية.
يقول سقراط: “تكلم حتى أراك”.. ويا لها من كلمة.. هذا هو المحك الحقيقي لصدق التباهي من عدمه، وما يدعو للحيطة -أيها السادة- من انكشاف الحال، على أية حال!.