غيابات معرض الكتاب

  ليس غريبًا أن نحتفي جميعًا بهذه المبادرة، فالمعرض يختصر الزمان والمكان للوصل إلى المبتغى القرائي والثقافي والمعرفي بكل أجناسه في مكان واحد، وكذلك ميزة تواجد العديد من دور النشر المحلية والعربية، أيضًا فرصة التقاء الكتاب والمؤلفين بقرائهم ومتابعيهم، وفرصة المؤلفين لتدشين مؤلفاتهم ومنصات توقيعها للقراء.

   والمدينة المنورة هي منارة الثقافة والعلم والمعرفة عبر العصور يقصدها الجميع لينهل من معين معارفها وصافي ثقافتها ما يروي عطشه. وما إقامة هذا المعرض إلا تعزيز لهذه المكانة الثقافية للمدينة المنورة، وهذا ما تحقق من خلال معارض الكتاب التي أقيمت في مناسبات سابقة.

   واليوم مع التوسع الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي الأمر الذي سيجعل فرص نجاح أهداف المعرض أكثر إيجابية، فمن خلالها يكون الإعلان أكثر قبولاً ورواجًا بين المتلقين، وتحفيزًا لجيل الشباب والنشء  لتجربة زيارة المعرض والاستمتاع بما يقدمه من موائد ثقافية ومعرفية متنوعة ومفيدة.

  التفاؤل كبير جدًا بوجود مؤلفين شباب، يقدمون رواياتهم ودواوينهم الشعرية ومؤلفاتهم الثقافية المختلفة، وأكثر ما يدعو للتفاؤل هو الحب والشغف الكبير لدى الشباب لتلقف الكتب التي تزيد من حضورهم وقوة تأثيرهم من خلال ما يقدمونه من محتوى في وسائل التواصل الاجتماعي.

300 دار نشر تقريبًا محلية وعربية ودولية، تحت سقف واحد، كسحابة غيث أمطرت ثقافة ومعرفة، في كل ناحية وزاوية من المعرض تجد ما يسر ناظريك، ويبهج فؤادك، ويثري عقلك.

وبرامج مصاحبة حوارات ودراسات وقراءة ونقد وأمسيات وورش عمل، مهرجان ثقافي بامتياز، فكل الشكر للقائمين على التنظيم والرعاية.

   لكن الملفت للنظر في هذا المعرض هو الغياب الكبير والواضح لأدباء ومفكري المدينة المنورة، مع فائق الاحترام والتقدير للشخصيات المشاركة وعدم الانتقاص من نتاجهم الأدبي والثقافي إلا إن غياب عدد من الأسماء اللامعة وخاصة من الشعراء يدعو للتساؤل عن آلية اختيار المشاركين في الأمسيات.

  كنت أنتظر -كغيري- افتتاح المعرض، والخمس الأمسيات الشعرية بفارغ الصبر، لأنها ستكون وجبة دسمة خمس أمسيات في عشرة أيام، ولكن تبخر الأمل بغياب رموز الشعر العالي في المدينة المنورة، دون معرفة الأسباب!

   مع دعواتنا للمشاركين بالتوفيق.. لكن أين؟

أين حسين عجيان؟ صاحب الأسلوب الفذ في الجمع  بين صفات الشعر المحافظ والشعر الحديث، والتمرد على الشعر في صوره وأخيلته، وفي تجاوز اللغة المألوفة إلى لغة متفردة ذات صبغة فنية مثيرة. والارتقاء من خلال شعره إلى التجديد والابتكار بدءًا من عناوين الدواوين والقصائد، واهتمامه باللغة إلى درجة الإدهاش، (أنا… أحرقتْ عيناي كل مراكبي / وعدت إليها.. والنوائب تنظر)

أين عيد الحجيلي؟ صاحب (قامة تتلعثم) و (جوامع الًكمِد)، وهو خير من مزج الأصالة بالحداثة   فكتب النص الخليلي المنعش بالتحديث، وإجادته فيما يعرف بنصوص (الومضة) ذو الكثافة اللغوية في مفردات محددة، كما في نص ترميم (لم يوقظ الجراح/ لكنه/ في سطوة شفيقة/ يرمم الصباح) و (سأظلُّ ما بقيَ الهسيسُ  /ورفَّ طيفٌ في سَمايْ  — أهفو إلى ما لا يجيءُ   /  وليس يدركهُ سِوايْ  — إنّ الحروفَ معارجي  / والشِّعرُ سِكْرَةُ مُنتهايْ)

أين يوسف الرحيلي؟ صاحب (جناحان للوجد) و (التي في الصدور) و (رحم الجهات) فاز بالعديد من الجوائز، قارئ متمكن ومثقف متميز، (رويدك.. تحت الأديم نبي /  تورَّد في الموعد الأجدَبِ    رويدك.. كن قامة من حرير / رويدك إنك جار النبي !!)

أين معبر النهاري؟ صاحب (بسملة) و(مالا تدركه النوايا) و (على استحياء) (قَدْ أَسْرَجَ الْعُشَّاقُ زَيْتَ حُرُوْفِهِمْ  / وَأَنَا أُسَامِرُ فِي الْوُجُودِ ضِيَاهُ)

أين بشير الصاعدي؟ صاحب (غيابة حب)، (ويقفزُ قلبي من الصدر طفلاً  .. ليلعبَ تحت الرذاذِ هنيَّا  /أتيتِ لجوع المشاعر زاداً  ..  وللقلب ظلاً وللنفس رِيَّا  / سأخذُ من نور وجهك شيئاً  .. وأعطيك من عتمةِ الشعر شيَّا /… /كذبتُ عليك ونحن صغارٌ  .. فلمَّا كبرنا كذبتِ عليَّا)

أين علي جدعان؟ صاحب 0لعينيها خلف الرواشين) و (كادي)، (هُنَاكَ  .. عَلَى حُدُودِ الحُزْنِ رُوحٌ /إذَا مَا مَسَّهَا التِّحْنَانُ تُشْفَى

وإنْ غَاضَ الحَنِينُ فَلَا صَلَاةٌ /أُيَمْمُ نَحْوَهَا قَلَقَاً وَنَزْفَا  .. أُفَلْسِفُنِي  إذَا مَا تُهْتُ عَنِّي /لَعَلِّي إنْ مُحِقْتُ أُصِيْبُ كَشْفَا)

أين مجدي نضر؟ صاحب أكثر من عشرة دواوين شعرية (عودي إلى الغيب.. فكي القيد وانطلقي / وسافري من مساحاتي إلى الأفق… مثل الفراشة تهوى النور تطلبه / فسافري بغتة في النار واحترقي)

أين سعيد العواجي؟ صاحب (دون أن نلتقي)، أين يوسف الصاعدي؟ أين مروان المزيني؟ أين ثامر الحميدي؟ أين شتيوي الغيثي؟ أين محمد الصفراني؟ أين …؟ الكثير من الأسماء التي أرجو أن يعذرني كل شاعر لم يرد اسمه، فلكلٍ احترامه وتقديره، ولست هنا لتقييم مستوى الشعر أو الشعراء، لكن من حقي كمتابع أن أتساءل وأتطلع لرؤية هذه القامات الأدبية الرفيعة في الأمسيات التي تحتضنها المدينة. أين هند النزاري؟!

قفلة: (غريبٌ.. أتيتُ إلى بابه         كأني كتابٌ..   بلا أغلفة

          أهذا الكتاب له معرضٌ           بطيبة تملأه المعرفة؟

           ونحن.. هنا الأدباء بلا             منابر للشعر كي نعزفه

          أنا ابن المدينة وادي العقيق تدفق شعراً فمن يوقفه؟!

          أيُعقل، أني أهمش في       مكاني وشعري من يُنصفه؟!

         غريبٌ وقفتُ ولم يدعني       لأدلف ضيفٌ أنا مُضْيفه) * مروان المزيني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟