إعلان المشاهير في العصر الأموي

ذكر الدكتور علي المناصير (مذيع ومحرر في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية) 2015م في بحث بعنوان (لغة الإعلان التجاري في وسائل الإعلام):

“يعدّ الإعلان التجاري ذا أهمية كبرى في ترويج السلع والخدمات والمنشآت وتسويقها، وذلك لدوره البارز في إحداث التغيّرات في الأنماط السلوكيّة وترتيب أولويات الجمهور المستهلك”. وذكر كذلك:”… ولا يقتصر تأثير الأنشطة الإعلانية التجارية على الجوانب الترويجية والتسويقية للمنتجات والسلع والخدمات، بل يتعداها إلى أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي، لأنّ الإعلان التجاري يسهم إسهاماً واضحاً في التأثير في المنظومة الثقافية والقيمية والأخلاقية للأمة، لما فيه من إيحاءات وإيماءات، وما يختزله في لغته وثناياه من أفكار وتوجهات وقيم ومبادئ، كما أنّه يضطلع بكل مكوناته بدور رئيس في عملية التفاعل الثقافي والاجتماعي، بحيث يصبح مسيّراً وموجّهاً لكثير من سلوكيات الأفراد والمجتمعات وعاملاً من عوامل الارتقاء بلغة الناس أو الهبوط بها…”

وقد عرّف بعض المهتمين بالتسويق التجاري الإعلان بأنه (فن التعريف)، إضافة للعديد من التعريفات التي عُرّف بها الإعلان التجاري حسب المدارس التسويقية المختلفة وحسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل مجتمع وزمان.

ولعل تعريف جمعية التسويق الأمريكية وهو من أقدم التعريفات للإعلان التجاري أكثر التعريفات اتفاقًا بين المختصين وهو “وسيلة غير شخصية لتقديم الأفكار والترويج عن السلع والخدمات بواسطة جهة معلومة مقابل أجر مدفوع”.

اختلفت وسائل الإعلان عبر الزمان وباختلاف المكان وحسب الحالة الثقافية، فمنها ما كان بالمناداة في الشوارع والأحياء للترويج لمنتج وهذا يكون وقتيًا ينتهي بمجرد نفاد البضاعة أو بانتهاء وقت البيع والشراء. ومنها ما يكون على هيئة كتابة على واجهات المحلات، ومنها كذلك ما يكون على شكل رسومات في ملصقات وأوراق وصخور تشير للمنتج، ولعل لهذا الأخير سببًا قادته (صدفة الأميّة) لأن يكون ذا أهمية في الإشهار والإعلان، فقد كان في أوروبا، عندما بدأت مدن وبلدات العصور الوسطى بالنمو، ولم يتمكن عامة السكان من القراءة، استُخدمت بدلاً من اللافتات المكتوب عليها اسم المحل (كتابة) صورًا ورسومات مرتبطة بنوعية تجارتهم.  

استخدمت الوسائل التقليدية الوقتية للإعلانات التجارية أو الإشهار في الحضارات المصرية القديمة والصينية وغيرها من الحضارات.

-استغلال أحد (المشاهير) :

ولعل من أبرز وأقدم وسائل الإعلان والذي ظهر بصورة مختلفة، من خلال الإفادة من (معلن مشهور) في الترويج لمنتج معين كان في القرن الثاني الهجري أي في العصر الأموي، وكان هنا في المدينة المنورة!

فقد كان المنتج (خُمُر ذات لون أسود) جمع خِمار، والتاجر بائع من أهل العراق، والمستهدف نساء وفتيات المدينة، والمعلن (المشهور) الدارمي الشاعر المتنسك الزاهد  وكان قبل ذلك من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، والمقابل حسب الاتفاق يحدده المعلن الدارمي!

جاء في العقد الفريد: الاصمعي قال: قدم عراقي بعدل من خمر العراق الى المدينة، فباعها كلها إلا السود، فشكا ذلك الى الدارمي، وكان قد تنسك وترك الشعر ولزم المسجد فقال: ما تجعل لي على أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلّها على حكمك؟ قال: ما شئت!! قال: فعمد الدارمي إلى ثياب نسكه! فألقاها عنه وعاد إلى مثل شأنه الاول، وقال شعرًا ورفعه إلى صديق له من المغنين، فغنى به وكان الشعر:

قل للمليحة في الخمار الاسود … ماذا فعلت بزاهد متعبّد

قد كان شمّر للصلاة ثيابه … حتى خطرت له بباب المسجد

ردّي عليه صلاته وصيامه … لا تقتليه بحقّ دين محمد

فشاع هذا الغناء في المدينة: وقالوا: قد رجع الدارمي وتعشق صاحبة الخمار الاسود. فلم تبق مليحة بالمدينة الا اشترت خمارا اسود، وباع التاجر جميع ما كان معه؛ فجعل إخوان الدارمي من النساك يلقون الدارمي فيقولون: ماذا صنعت؟

فيقول: ستعلمون نبأه بعد حين. فلما أنفذ العراقي ما كان معه، رجع الدارمي إلى نسكه ولبس ثيابه.

ومسكين الدارمي، هو ربيعة بن عامر ابن أنيف بن شريح بن عمرو بن عمرو بن عدس زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميمٍ، من شعراء العصر الأموي مات سنة 90 للهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك.

ولقب بمسكين لقوله * أنا مسكين لمن أنكرني    ولم يعرفني جد نطق

                              لا أبيع الناس عرضي إنني    لو أبيع الناس عرضي لنفق

وقال عن ذلك: وسمّيت مِسْكينا وَكَانَت لحَاجَة … وَإِنِّي لمسكين إِلَى الله رَاغِب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟