
حمزة شحاتة.. غريب عصره
مَالي أراهَا لا تَرد سَلامي هل حرّمت عند اللقاءِ كلامي
أم ذاك شأنُ الغِيدِ يُبْدِينَ الجّفا وفؤادهُنّ من الصبابةِ دامِي
(حمزة شحاته قمة عرفت ولم تكتشف) هكذا عنون عزيز ضياء كتابه عن هذا الأديب الأنيق، الذي أبدع شعرًا ونثرًا. حتى أصبح أيقونة الأدب في الحجاز آنذاك، وأحد أبرز عمالقة الأدب السعودي حتى يومنا هذا.
ولو قُدّر لنا أن نفاخر بأدبائنا -كما يفعل غيرنا- لفاخرنا به وانتصرنا في مراهنتنا عليه من خلال فرعي الأدب.
ولكن كما كان حمزة شحاته زاهدًا في عرض انتاجه الأدبي زهدنا نحن بالتبعية من المبارزة بحديه في ميادين السباقات الأدبية، وإلا كان السبق لنا! فمقومات الكسب في مثل هكذا منافسات متوفرة وبجودة عالية.
فئة الأدباء وذي الاهتمامات الأدبية والثقافية يعرفون ذلك، وبه يفاخرون، لكن الأجدر أن يكون شخصية اجتماعية ذات أبعاد شعبية واسعة الصيت، يتغنى بها الجميع.
حين تذكر أيًا من رموز الأدب والثقافة تجد الجميع يجاهر ويفاخر بهم، وحتى لو لم يقرأوا لهم، وما صاحبنا معهم إلا كفرس رهان، لكن ربما للحظ دور أو أمور أخرى.
وكما كتب عنه عزيز ضياء، ألف الأديب الأستاذ عبد الفتاح أبومدين كتاباً أسماه (حمزة شحاته ظلمه عصره) تناول فيه شعره،
وكذلك فعل الأستاذ عبد الحميد مشخص حين جمع أشياء من فلسفة وحكمة حمز شحاته من مذكراته الخاصة في (رفات عقل)
ولـ محمد صالح باخطمة كتاب (حمزة شحاته.. أيام معه) وهو عبارة عن ذكريات عاشها باخطمة مع حمزة شحاته، فيها من العفوية ما يجعل من قراءتها متعة وإثارة، وقدم للكتابالأديب عبد الله الجفري.
والدكتور عبد الله الغذامي حين كتب عن (البنيوية) اختار نموذجاً لها الشاعر حمزة شحاته، في كتابه (الخطيئة والتكفير).
وحين ترجم له الأديب محمد علي مغربي في كتابه (أعلام الحجاز) قال: كان حمزة نمطاً فريداً من الأدباء لم يكن يشبهه غيره وكان ساحر الحديث، يمتلك قلوب سامعيه وأفكارهم، وكانت لغة حديثه أقرب إلى الفصحى منها إلى العامية.
الكثير أو جلّ أبناء الوطن لا يعرفون حمزة شحاته، ليس قصورًا منهم بقدر ما هو تقصير المهتمين في الحركة الأدبية والثقافية باتباع الوسائل الحديثة المتجددة في الطرح الإعلامي، اهتموا بالتجديد في الأسلوب الإبداعي والكتابي فقط من خلال الندوات واللقاء والمقالات والكتب، ولم يلتفتوا إلى وسائل التواصل وتطويعها واستغلال هذه المنابر الساحرة في إيصال الرسائل، والتماهي مع تقنيات العصر والخروج من الأطر التقليدية للوصول للناس وعدم انتظار الآخرين ليدخلوا عليهم في دهاليز يقتضي حضورها بعض البروتكولات الرسمية والرمزية، هذا إن أردتم رواجًا لبضاعتكم وإلا -والخيار لكم- ستبقى بضاعتكم دولة بينكم.
من خلال أي برنامج تواصل اجتماعي تستطيع أبيات مثل: النهى.. بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق
ورؤى الحب في رحابك شتىيستفز الأسير منها الطليق
أو: بعد صفو الهوى وطيب الـوفـاقعـز حتى السـلام عـند التلاق
يا معافى من داء قـلبي وحـزنـيوسليمًا من حرقتي واشتياقي
وهي من قصائد الكبير حمزة شحاته، أقول تستطيع مثل هذه المقطوعات أن تصل إلى جمع من الناس من خلال عرضها وتقديمها بأسلوب متقن، خصوصًا عند إيضاح أن (النهى بين شاطئيك غريق) قالها الشاعر في مدينة(جدة)، والأبيات الأخرى تغنى بها الفنانون ولا زالت تتكرر في المناسبات والحفلات الغنائية.
ولد حمزة شحاته في مكة المكرمة سنة 1909 ونشأ نشأته الأولى ثم انتقل إلى جدة حيث التحق بمدارس الفلاح، وسافر إلى الهند وقضى فيها سنتين ثم عاد متوشحًا بوشاح الثقافة والأناقة. تأثر بجماعة الديوان من خلال قراءته لكبار كتاب التيارات التجديدية والرومانسية العربية في المقرّ والمهجر، وقد تأثر كثيراً بجبران خليل جبران، وايليا أبو ماضي وغيرهم.
دعي في عام 1940 لإلقاء محاضرة في دار الإسعاف الخيري في مكة المكرمة فتزاحم الناس على القاعة ومنهم من لم يجد مكانًا واكتفى بالاستماع من الخارج، وأول ما بدأ به أن غيّر عنوان المحاضرة إلى (الرجولة عماد الخلق الفاضل) بدلاً من العنوان المقرر مسبقًا من قبل الجمعية (الخلق الفاضل عماد الرجولة). استمرت محاضرته 4 ساعات أو تزيد والحضور في انصات واستمتاع وتصفيق بين الفينة والأخرى، وهم نخبة المثقفين والوجهاء.
ذاع صيته واشتهر ذكره بعدها لما حوت محاضرته من أبعاد فكرية ومضامين فلسفية ولغة راقية.
دارت بينه وبين محمد حسن عواد معارك أدبية أسوة بما يدور في ساحات الأدب العربي ذلك الوقت، كانت من خلال الصحف، ثم بعد أن أوقفت الصحيفة نشر تلك المطارحات صارت تكتب في (أوراق) وتوزع بين المتابعين من الفريقين.
سافر إلى القاهرة ولم يتصل بأدبائها رغم التألق حينذاك، فاقتصر على تربية بناته، ويكتب دون اهتمام بجمع ونشر ما يبدع شعرًا أو نثرًا، حتى توفي -رحمه الله- بعد أن فقد بصره 1972 ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة وفن فيها.
قيض الله من جمع شعره ومقالاته، وإلا فقدنا كنزًا من الإبداع قل نظيره، ومنها:
(الرجولة عماد الخلق الفاضل) و (رفات عقل) جمع عبد الحميد مشخص، المشار إليه سابقًا و(المجموعة الشعرية الكاملة أو ديوان حمزة شحاتة) جمعها محمد علي مغربي وعبد المجيد شبكشي.
و(غادة بولاق) وهي ملحمة شعرية كتب مقدمتها الناقد المصري مختار الوكيل و (شجون لا تنتهي) و (رسائل إلى ابنتي شيرين) صادرة عن تهامة.
*قفلة.. (وتهـيأت للســلام فـلــم تـفـعــلفأغـريت بي فضـول رفاقـي
هبك أهـمـلت واجبي صلفاَ منكفـمـا ذنب واجب الأخـــلاق) *حمزة شحاته.