رمضانيات3.. (رمضان الروائيين)
يتواصل الحديث عن الشهر الكريم وخصوصياته، من خلال الوقوف على بعض المواقف لشخصيات ذات تأثير اجتماعي كبير في الثقافة العربية والأدب، وبعد أن عرضنا مواقف بعض الشعراء من الصوم وأحداث وفعاليات شهر الصوم، نعرّج معكم اليوم على مواقف الروائيين والكتاب، الذين لهم نظرتهم الخاصة لما يدور حولهم من أحداث وبشكل مختلف عن بقية الناس.
بداية مع رواية (قنديل أم هاشم) لـ يحيى حقي تتحدث عن أسرة ليست بالفقيرة المعدمة ولا الغنية بل متوسطة تقيم في حي السيدة زينب “أم هاشم”، سعت الأسرة لبذل كل ما في وسعها ليصبح ابنها (إسماعيل) طبيبًا ويناديه الناس “إسماعيل أفندي”، وينجح اسماعيل ولكن مجموعه لم يؤهله لدخول كلية الطب، فيرسله والده إلى انكلترا ليدرس الطب ويرهق العائلة كلها من أجله. عاد اسماعيل من إنكلترا طبيبًا (أفندي) ولكنه عاد برؤية أخرى تجاه أهله فقد وجد طيبهم غفلة وبلاهة واستسلامهم للقضاء والقدر انهزامًا وإيمانهم ضعفًا، وبدأ يحاورهم بالعلم وهو أمر غير مطاق لديهم، فاعترض على علاج عيون ابنة عمه (بزيت قنديل أم هاشم) وحاول علاجها بالطب ولكنه لم يفلح! وقد سار (اسماعيل أفندي) بالتجول في شوارع السيدة زينب -فكانت عادة- يلاحظ الناس وأحوالهم، واستمرت عادته هذه في شهر رمضان، فرأى مشاهد الاستعداد للشهر الكريم، فشاهد الناس على حقيقة معادنهم. وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، رأى الدكتور (إسماعيل أفندي) فتاة كان يعرف أحوالها قبل سفره وهيمن بائعات الهوى، رآها وهي تفي بالنذر نتيجة فرحها بالتخلي عن هذه المهنة السيئة! ويتمكن اسماعيل خلال رحلة الثلاثين ليلة أن يكتشف السر، سر الضرورة الماسة للإيمان، فلا بد أن يلزم العلم إيمانًا ليصل لمراده.
ورواية (قنديل أم هاشم) تعتبر قصيرة جدًا في نادي الروايات، فصفحاتها لا تتجاوز الثمانين تقريبًا، أي يمكن لأي قارئ أن يختمها بجلسة واحدة، لكنها تحمل العديد من القيم وتصحيح المفاهيم عن رمضان إذ لا يكفي فيه الصوم عن الطعام والشراب دون الانغماس في الروحانية.
ورواية (خان الخليلي) التي سطّر فصولها الأديب والروائي العربي الكبير نجيب محفوظ، وتتميز عن كافة رواياته بأنه كتبها في شهر رمضان على غير العادة، فقد كان ينقطع عن الكتابة في شهر رمضان. فرواية (خان الخليلي) منغمسة في أجواء رمضان. أما أحداث الرواية فتدور حول أسرة (أحمد أفندي) الذي يتعرض منزله في حي السكاكيني بالقاهرة لعدد من الهجمات الألمانية، فتقرر العائلة مغادرة المنزل والحي والانتقال للسكن في حي خان الخليلي، وهذا أحمد أفندي يعمل موظفًا في وزارة الأشغال، ويحاول جاهدًا من أجل تحسين وضعه ويفشل في كل محاولاته، فينتقل إلى توجه آخر، حيث يبدأ في التكبر على من حولهويستعرض مخزونه الثقافي والمعرفي أمامهم. وتطرأ قصة حب بينه وبين جارته من خلال النظرات إلى أن يعود أخوه من العمل حيث كان موظفًا في أحد البنوك في بلد آخر، فيعجب بالفتاة نفسها التي يحبها أخوه، وتتطور علاقته بها حتى الزواج. أما عن موضوع رمضان في الرواية فنظرًا لشغف نجيب محفوظ بأجواء رمضان ووقت كتابته لها في رمضان فقد خصص عدد من الصفحات في صفة رمضان بل خصص أجزاءً لوصف أولى ليالي رمضان واستطلاع الهلال ومائدتي الإفطار والسحور، إضافة للمظاهر الأخرى كسماع القرآن الكريم بصوت علي محمود، وتفاصيل رمضانية أخرى.
ورواية (مد الموج) لـ محمد جبريل وهذه الرواية عبارة عن سيرة ذاتية في قالب روائي فيها توثيق حياة محمد جبريل، وهو مؤرخ الاسكندرية، كاتب وروائي طرزت كتاباته العديد من الجرائد العربية، ألف ما يزيد عن الخمسين كتابًا، ثلاثون منها في أدب الرواية، وبعض مؤلفاته من ضمن المقررات الدراسية في العديد من الجامعات.
في (مد الموج) يطوف بك الكاتب عبر الاحتفالات بالشهر الكريم في مدن الساحل حيث ترىدور المناخ والطبيعة والبيئة في الاحتفالات وبها يمكنك المقارنة بين رمضان المدينة الساحلية (الإسكندرية) ورمضان خان الخليلي. ورغم كون القالب الأدبي هو الرواية إلا إنها تميزت بالواقعية من خلال مناقشة الاحتفال بشهر رمضان بعين الطفل وعين الكبير.
ومن الروايات التي كان لشهر رمضان دور رئيس في سياق أحداثها رواية (الرهينة) لـ زيد مطيع دماج
هي رواية يمنية صدرت عام 1984م من قبل دار الآداب ببيروت، وتدور أحداثها في قصر الحكم، وتعتبر واحدة من أفضل 100 رواية في القرن العشرين، وتعد ضمن مجموعة الروايات التي تدور أحداثها في رمضان المبارك.
*ومضة: (الرواية من أفضل الأعمال الأدبية التي توثق التاريخ والتراث الاجتماعي، خاصة إن كانت الواقعية فيها شارقة.
ولعلنا نعثر على روائي يوثق التراث والمورث الحقيقي بعيدًا عن الدجل والتزييف والسطو على الأصل وتنحيته والترويج لثقافات وافدة -وإن عدت من المكونات الاجتماعية التي لا يمكن اهمالها والتغافل عنها– لكن وبنفس الواقع لا نتجاهل الهوية الأصلية فهي الأساس، والواقع يؤكد أن تمازج الثقافات يثري دون تزوير واقصاء!)
(أخبر صديقك كذبة، لو حفظ سرك فأخبره الحقيقة)
*مثل برتغالي
