لماذا الشعر (النبطي)! (1)

الكثير عرّف الشعر، ولكن شدني التعريف الذي وضعه الشاعر والكاتب الأرجنتيني (خورخي بورخيس): “أظن الشعر يختلف عن النثر لا باختلاف صيغتهما اللفظية كما يقول الكثيرون، وإنما يختلفان في حقيقة أن كليهما يُقرأ بطريقة مختلفة، فالقطعة التي تقرأ وهي موجهة إلى العقل هي نثر، والقطعة التي تُقرأ موجهة إلى المخيلة، ينبغي أن تكون شعرًا”.

وعلى العموم فالشعر هو الشعر! الذي تعرفونه، ويكون التفريق فيه حسب مراتب جودته وقوة تأثيره في النفوس، سواء كان الشعر فصيحًا أم عاميًا.

وهنا سأثير لماذا نصف شعر العرب في الجزيرة العربية العامي أو الشعبي بـ (النبطي)؟

باختصار البعض قال إنه نسبة إلى الأنباط الذين سكنوا شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام وأطراف العراق وسيناء وعاصمتهم البتراء، قامت مملكتهم قبل الميلاد بنحو 170 سنة وبقيت بعد الميلاد بنحو 100 سنة تقريبًا.

ولغة الأنباط الرسمية كانت الآرامية ويتحدثون العربية بل يكتبونها لكن بحروف آرامية كما في مدافنهم، لكنها كما يصفها المختصون بعيدة عن لغة قريش بعدًا كبيرًا.

ومن أشهر من قال بذلك عبد الله بن خالد الحاتمي وخالد الفرج وغيرهم

ومنهم من قال إنه من الاستنباط من الفصيح كعبد الله بن خميس، ومنهم من يسميه الشعر النبطي نسبة إلى النبط وهو اللحن والخلط في قواعد الفصحى. يقول المعري: (اِستَنبَطَ العُربُ في المَوامي     بَعدَكَ وَاِستَعرَبَ النَبيطُ)

وأما من يسميه (الشعر العامي) أو (الشعبي) فلا يتم له ذلك إلا بإسناد مكان العامة أو الشعب، كأن تقول الشعر العامي في الحجاز أو في مصر أو في تونس و … وكذلك يكون مع الشعبي، نظرًا لاختلاف لهجات العوام والشعوب في الأقاليم المختلفة.

وأول ما وصل إلينا من الشعر هذا ما ينسب لبني هلال حسب ما أورده ابن خلدون في مقدمته.

وخير من شرح وحلل قول ابن خلدون في شعر البدو أو الشعر القيسي أو الحوراني -كما يسميه-هو الدكتور سعد الصويان.

والشعر الهلالي الذي ذكره ابن خلدون في القرن الثامن أي بعد أربعة قرون على تغريبه بني هلال فيه ما هو ضمن السيرة التي كتبت بعدهم وفيه ما يمكن احتمال أن يكون من أشعار الهلاليين، مثل ما أورد ابن خلدون

“ومن شعر علي بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بني عامر لهذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بني عمه المتطاولين إلى رياسته”. ومنها هذه الأبيات (وقد صحح الدكتور الصويان عدد من كلماتها رأى إنها غير سليمة وأبدلها بكلمات ذات معنى أدق واستقامة للوزن ومتعارف عليها في الشعر هذا:

   ألا ياربوعٍ  كان  بالأمس عامر     بحيٍّ وحلّه والقطين لمام

   وغيدٍ تداني للخطأ في ملاعب   دجى الليل فيهم ساهرٍ ونيام  (إلى آخر الأبيات)

وأورد نماذج أخرى كثيرة للشهر الهلالي كذلك أورد نموذج غاية في الأهمية لشعر البدو أو الشعر القيسي أو الحوراني حسب وصف ابن خلدون إنهم في المغرب يسمون هذا الشعر بالأصمعي وفي المشرق بالبدوي والقيسي والحوراني، أور نصًا للمرأة الحورانية التي قتل زوجها فوجهت قصيدتها لبني عمها تطالبهم بالثأر، وأوردت كلمة (قيس) وهي قبيلة عربية لا شك، ولكن لا يُعلم تاريخ مقتل زوج الحورانية تقول منها:

      تقولُ  فتاة   الحيّ   أمّ سلامةٍ         بعينٍ أراع اللهُ من لا رثى لها

   تبيت طوال الليل ما تالف الكرى        موجّعةٍ كن السفا في مجالها

   على ما جرى في دارها لأبو عيالها       بلحظةِ عينِ البينُ غيّرَ حالها

   فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم    ونمتوا عن اخذ الثار ما ذا مقالها

ولي معكم وقفة في الحلقة القادمة مع نص فريد ومن أقدم النصوص في الشعر النبطي والذي وردت فيه كلمة (نبطي) صريحة.

                                     (قصيد اختار لي موت عظيم أختار لك ميلاد   عزاك إني لميلات الدهر ما هان تطويعي) *عبد المعطي البدراني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟