
الدكتور مرزوق بن تنباك.. الأصالة والمعاصرة
لئن كان من حق الديار أن تفخر بأبنائها المبرزين وبعظمائها النابهين وبرجالها المخلصين فإنه يحق لوادي الفرع أن يفخر به.. ويفاخر بهذا الرجل الفذ العصامي الذي كان هذا الوادي من مرابع آبائه و أجداده وكم هو رائع حينما يأتيه بين وقت وآخر رغم مشاغله ومسئولياته وحياته في ديار أخرى وكلها من الوطن الغالي العزيز المملكة العربية السعودية.. أقول كم هو رائع حينما يأتي إلى وادي الفرع بين الفينة والفينة يترسم خطى الأجداد ويعيش عبق التاريخ بكل مكوناته ورسومه ونقوشه وتراثه..
كم هو رائع أن يسير ذلك الرمز مساره في الحياة ويتخطى المصاعب والعقبات يرسم خطى سيره للوصول إلى القمم ولا ينسى أو يتناسى مواطئ أقدام أولئك الآباء والأجداد الذين عاشوا حقبة من الزمن تحت ظلال النخيل يزرعون ويتملكون ويرسمون معالم حياتهم بأفراحها وأتراحها يرتوون من عيونها ويتسامون بأخلاقهم ومعارفهم وشموخهم وأنفتهم على جبال هذا الوادي الشامخة التي كانت في يوم من الأيام قبل أن تستظل البلاد بظل هذه الدولة العزيزة أمناً واستقراراً وتطوراً وارتباطاً وحياةً كريمة.. يوم أن كانت تلك الجبال الشامخة في وادي الفرع أيام اضطراب الأمن حصناً حصيناً للإنسان والديار والممتلكات.. كان وادي الفرع بزراعته وعيونه ونخيله الباسقة موطن جذب لناشدي الحياة والاستقرار لما وهبه الله من عيون ثجاجة وزروع وخيرات وفيرة وكان من يملك في هذا الوادي أي ملك ولو نخلةً واحدة يعتبر من المحظوظين الآمنين المطمئنين..
لأن الالتزام القبلي في غياب السلطة في ذلك الوقت صمام أمان بإذن الله لكل مستظل بظلال النخيل والمياه الوفيرة من العيون التي كانت تزيد على خمسين عيناً جارية مصدر عطاء وثراء وأمن واستقرار.. وتملك بنو عمرو من مسروح من حرب في كل أرجائه وقراه وكل غاد ورائح في ذلك الزمان يفاخربتملكه أي شبر في هذا الوادي الوفير الخيرات الآمن الساحات القوي التماسك بين قبائله من جهة وبين الأرض التي عمروها وكان واديهم مطروقاً من قبل حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله عليه الصلاة والسلام فدربه الفرعي من مكة إلى المدينة أعطاه سمة مميزة وزخماً تاريخياً في أزمان القوافل بين المدينتين المقدستين.
ولذلك لم ينس مالكوا الزروع والنخيل من قبائل بني عمرو الحربية الحجاج والزائرين على هذا الطريق من تخصيص أوقاف من نخيلهم على أولئك السائرين عبر هذا الطريق.. ولا تزال إلى اليوم تلك الأوقاف والسبل تشهد وثائقها بتخصيصها وقفاً لإطعام الأغراب من الحجاج والزوار وكانت القوافل تسير عبر هذا الطريق جماعات وأفراداً فيجدون في مساجد القرى الظل الظليل والتمر الفاخر والمياه والخدمة اللازمة التي هيأتها لهم تلك الأوقاف وأشرف عليها ذراري موقفيها.
من هذا الوادي وهذه البيئة خرج أ_د/ مرزوق بن صنيتان بن تنباك الشدادي العطري المسروحي الحربي.. الذي يحق لوادي الفرع بأرضه وقراه وعيونه وجباله وإنسانه اليوم أن يفاخر بهذا الرمز الكبير الذي تخطى الصعاب وسار في طرق المجد سير الواثق المطمئن حتى نال أعلى الدرجات العلمية وتَوّجها بحرصه وإخلاصه وانتمائه لوطنه المملكة العربية السعودية أرضاً وإنساناً وقيادةً وزيّنَها بعطائه الثقافي كباني للأجيال معلماً وإدارياً ومسئولاً في قمة من قمم الثقافة في بلادنا (جامعة الملك سعود) وأحاطها بمؤلفات ثقافية عميقة كتباً ومحاضرات وندوات ومناقشات في داخل المملكة وخارجها.
ومع ذلك امتاز بالحضور القوي في الساحة الثقافية والشجاعة في الحوار الهادف والجرأة في قول الحق والنبل في الأخلاق والمروءة والعفة والنزاهة والأمانة والصدق مع نفسه ومجتمعه والعصامية المميزة والحب لهذا الوطن وقادته والإخلاص لهم والترفع عن كل ما يشين.. فهو يحفظه الله قامة وقيمة قد بنى شخصيته الثقافية في الأوساط العلمية في داخل المملكة وخارجها بثقافة عميقة ولغة رصينة وتمكن يفرض احترامه على كل من يخاطبه أو يحاوره.. فالجامعات والأوساط الثقافية على اختلاف مستوياتها تحسب (لأبي راشد) حسابه في حضوره وثقافته ولغته وشخصيته وعمقه..وطلابه وزملاؤه وعارفوه يكنون له كل حب وتقدير واحترام لأنه يخاطبهم ويتعامل معهم بإنسانية مميزة وإخلاص وأمانة ونظافة قلب فهو لا يكن حقداً لأحد ولا يتعالى على من حوله ويحب للأخرين ما يحب لنفسه هكذا عرفته وعرفه طلابه وأصدقاؤه ومحبوه وعرفته الأوساط العلمية والثقافية ولا أزكية على الله سبحانه وتعالى.
عرفت د/ مرزق في بداية التسعينات الهجرية من القرن الماضي عندما أتى طالباً في ثانوية طيبة الليلية هو وأخوه اللواء محمد بن صنيتان وكنت وقتها أعمل إدارياً في تلك المدرسة وكانت طيبة الثانوية ليلاً ونهاراً هي الثانوية الوحيدة بالمدينة حاملة مشعل الثقافة والمعرفة في طيبة الطيبة وكان خريجوها في تلك الأيام متميزون أدباً وثقافةً وأخلاقاً ولذلك احتل خريجوها الأوائل مع نهاية الستينات والسبعينيات الهجرية مواقع مرموقة في سلم حضارة الدولة في بدايتها.
عرفت (أبا راشد) ووجدت فيه لين الجانب والواقعية في الطرح والحرص على الدراسة والتطلع إلى أعلى درجات سلم المعرفة وكان أسلوبه مغرياً في الحديث للاستماع إليه والاستفادة من حديثه وزاد من اعجابي به طموحه الذي لا ينتهي عند حد وكنت يومها منتسباً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في كلية الشريعة.. وتذمرت في لحظة من لحظات لقاءاتنا من صعوبة الدراسة وطول المسافة إلى الرياض وندرةالمواصلات ولكنه جزاه الله خيراً قد فتح أمامي بنصائحه وطموحه كل الأبواب وشجعني كثيراً على مواصلة التعليم إلى النهاية.. وتخرج أبو راشد من الثانوية التحق بجامعة الملك سعود ثم ابتعث إلى بريطانيا وعاد بالدكتوراه وهو جدير بها ولم تنقطع علاقتنا لأنني وجدت في هذا الرجل صفاء القلب وحسن النية وحب الخير و (الفزعة) بجاهه وبكل ما يملك إذا ما بدت حاجة لمحتاج ووصل إليه وعرف صدق نيته.
وكم أعجبتني مواقفه النبيلة وشيمه الفاضلة مع زميله (د/عوض القوزي) الذي زاملته أنا أيضاً في دورة اجتماعية بالطائف في أواخر الثمانينات الهجرية وكان هو الآخر مثالاً للزمالة الطيبة والخلق الرفيع والطموح والعزيمة الصادقة يرحمه الله رحمةً واسعة..
وأقول مرة أخرى بأن الدكتور مرزوق من أرومة أصيلة وشيخة معتبرة وحق له أن يكون كما ذكره العارفون به من أصحاب المعالي والسعادة الدكاترة الذين جمع آراءهم وحررها الدكتور فايز البدراني حفظه الله في كتاب بعنوان (مرزوق بن تنباك وشهادات غير مجروحة)..
وقد تصفحت الكتاب ووجدت قمماً رفيعة تشيد وتقر بالأستاذية للدكتور ابن تنباك تواضعاً وعلماً ومعايشة وحضوراً وتأليفاً وثقلاً في المحافل الأدبية والعلمية وتقر له بالقدم الراسخة والقدح المعلى في مواقف الأصالة والرجولة والأدب والتعامل مع الحرف ومختلف شئون الحياة.. وقد غبطهالكثيرون على إحرازه هذه السمات المميزة والمواقف النبيلة..فبوركت يا أبا راشد وبورك تاريخك ومسعاك..
وعود على بدء أقول: إنني أكبر في الدكتور مرزوق اعتزازه بوادي الفرع وانتماءه إليه وزياراته بين وقت وأخر لتلمس خطى أجداده ومآثرهم وتاريخهم في قرى المضيق والمديراءخاصة وفي وداي الفرع عامة .. فالأماكن تحفظ تاريخاً وترسم تراثاً لا يعرفه إلا أصحاب العقول النيرة أمثال د/ مرزوق (دياركم يا بني سلمة أحفظ لآثاركم(.. كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم..
وحق لوادي الفرع تاريخاً وإنساناً وأرضاً وتراثاً أن يفاخر بالدكتور مرزوق اْلعَلَمْ.. والدكتور مرزوق الرّمْزْ.. والدكتور مرزوق العالم الفقيه اللغوي.. والدكتور مرزوق بن تنباك الشدادي العمري المسروحي الحربي..